بمناسبة الذكرى الثانية والسبعين للحركة الطلابية في إيران

خاص بوابة بيروت

وقع الانقلاب المشين ضد حكومة الدكتور محمد مصدق الوطنية، رئيس وزراء إيران المحبوب، في ١٩ آب ١٩٥٣. خلّف هذا الانقلاب ردود فعل واسعة داخل إيران والمنطقة. وإضافة إلى الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضدّه، اكتسبت احتجاجات وحركة طلاب الجامعات، بصفتهم الشريحة الواعية والرائدة في تاريخ الحركة الطلابية، مكانة مرموقة.

استمرت المظاهرات الطلابية احتجاجاً على الانقلاب وإقالة واعتقال الدكتور محمد مصدق عدة أيام متتالية في كانون الأول ١٩٥٣، حتى تم إراقة الدماء في كلية الهندسة بجامعة طهران بأمر من محمد رضا شاه في ٧ كانون الأول ١٩٥٣، حيث سقط ثلاثة طلاب محتجّين، وهم مصطفى بزرك نيا وأحمد قندتشي ومهدي شريعت رضوي، مضرّجين بدمائهم برصاص العملاء القمعيين التابعين للشاه. مضت ٧٢ عاماً على ذلك اليوم التاريخي.

وقد سُمّي هذا اليوم في الحركة الطلابية الإيرانية الشاملة بـ “يوم الطالب”، ويُحتفل به سنوياً تخليداً لذكرى أولئك الشهداء الثلاثة الذين رووا بدمائهم غرسة هذه الحركة المناهضة للديكتاتورية.

يتم الإشادة بأولئك الرواد دعاة الحرية في الجامعات الإيرانية كافة، ويتم القسم على مواصلة مسيرتهم لتحرير الوطن من قيود الديكتاتورية والاستبداد. لم تشهد إيران خلال الأعوام الـ ٧٢ الماضية أي حركة أو انتفاضة أو ثورة سياسية لم تمر عبر الجامعات ومراكز التعليم العالي. وأفضل دليل على هذه العلاقة المتبادلة هو الانتفاضات التي شهدتها إيران خلال العقدين الأخيرين، والتي كرّست الارتباط بين الطالب والجامعة وبين الشعب ضد ديكتاتورية ولاية الفقيه.

يخشى الاستبداد الديني الحاكم في إيران الحركة الطلابية كثيراً؛ لذا سعى جاهداً، من خلال التمسك بشتى الأساليب، بدءاً من تهديد واعتقال الأساتذة والطلاب المحتجين ووصولاً إلى الهجوم على الجامعات والسكنات الطلابية وضرب الطلاب حتى الموت، لقمع الطلاب المحتجين المنضمين إلى الانتفاضة الشعبية العامة وفصل صفوفهم عن بعضها البعض.

في الانتفاضة الشعبية الإيرانية لعام ٢٠٢٢، التي اندلعت إثر قتل الشابة الكردية مهسا “جينا” أميني على يد عملاء “شرطة الأخلاق” التابعة لقوى الأمن الداخلي، كان الطلاب في حالة غضب عارمة منذ ١٦ أيلول ٢٠٢٢. وقد أدّى الطلاب دورهم الجدير والرائد في استمرارية الانتفاضة العامة والارتقاء بها، تضامناً مع جميع فئات الشعب الساخطة والمحتجّة، بحيث كانت الحركة الطلابية في إيران خلال هذه الانتفاضة أحد المحاور الرئيسية والملهمة للاحتجاجات وقادتها في مسار إسقاط النظام القمعي.

وعطفاً على هذه الراديكالية الموجودة في الجامعات الإيرانية كافة؛ كان للخميني كره عجيب خاص بالجامعيين والشريحة المثقفة والمتخصصة، حيث قال في إحدى خطبه في ١٨ كانون الأول ١٩٨٠ بمناسبة اليوم المسمى “وحدة الحوزة والجامعة: “عندما نلقي نظرة واسعة على جميع الجامعات في العالم، نجد أن جذور كل هذه المصائب التي حلّت بالبشرية كانت من الجامعة. جذرها من هذه التخصصات الجامعية… كل هذه المصائب التي ظهرت في العالم كانت من هؤلاء المفكرين والمتخصصين الجامعيين… خطر الجامعات أعظم من خطر القنبلة العنقودية. وكلما ازدادوا تخصصاً، ازدادوا سوءاً”!!

خامنئي، الولي الفقيه الحالي للنظام، يحمل ذات التفكير الذي كان للخميني تجاه الشريحة المثقفة من الطلاب والجامعيين، ويسعى بشتى الأثمان لقمع صوت النخبة والمثقفين الذين يطالبون بإسقاط نظامه بالتزامن مع الانتفاضة الشعبية الإيرانية، وإزاحتهم عن الساحة وتغييبهم.

وهو يسعى لفرض النظام الحوزوي – الرجعي على جامعات البلاد، وذلك من خلال تزوير الشهادات وتقديم الرشاوى لعناصر البسيج القمعيين، وتعيينهم تحت مسمى أساتذة ومدرّسين، ليتمكن بذلك ربما من تفكيك الرابط التاريخي بين الجامعة والطالب والحرية، وبين هويتها ورسالتها المناهضة للرجعية. وفي هذا الصدد، احتج أساتذة وطلاب واعون في مختلف الجامعات الإيرانية على هذا الإجراء الفاشي وقاموا بعمليات كشف وفضح، لدرجة أن بعض وسائل الإعلام الحكومية اضطرت أيضاً إلى تغطية أخباره.

لكن؛ الحقيقة هي أن للطالب والجامعة تاريخاً حافلاً ومشرقاً للغاية في انتفاضات الشعب الإيراني المطالبة بالحرية، ولهذا السبب سُمّيت الجامعة في إيران بـ “معقل الحرية” إن إحصاءات وأرقام شهداء انتفاضات العقود الثلاثة الأخيرة في إيران، وكذلك الإعدام الجماعي للطلاب المجاهدين والمناضلين في مجزرة عام ١٩٨٨، هي دليل ووثيقة على دورهم المتميز ودفْعِ الثمن من أجل نيل الحرية.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com