تحيّة إلى السفير #سيمون_كرم

بقلم هشام بو ناصيف

كنت مراسلًا لأخبار “المؤسّسة اللبنانيّة للإرسال” بين عامي 2003 و2006 قبل أن أترك الإعلام لاحقًا لمتابعة الدراسة. على المستوى اللبناني العام، كانت السنوات الثلاث حافلة بالأحداث، لا سيّما انسحاب جيش الاحتلال السوري عام 2005. وعلى المستوى الشخصي، سمحت لي ظروف العمل المهني بالتعرّف على قسم كبير من زعماء لبنان، ووزرائه، ونوّابه، وشخصيّاته العامّة. عدد الأشخاص الذين التقيتهم كبير، ولكن من تعرّفت إليهم آنذاك، واحترمتهم، يقتصر عددهم على اثنين فقط، المغفور له النائب نسيب لحّود، والسفير سيمون كرم.

أذكره بلقاءات السينودس من أجل لبنان. وأذكره أيضا بلقاءات قرنة شهوان. زمن المواجهة الصعبة، يوم كانت تعني أن يعرّض السياديّون أنفسهم لمصير مشابه لمصير رفيق الحريري، وبيار الجميّل، وجبران تويني، ورفاقهم الشهداء، كان السفير كرم من صقور قرنة شهوان، ليس فقط لجهة وضوح الموقف السيادي، بل أيضا لجهة نباهة القراءة السياسيّة. ولاحقًا، عندما غرقت القرنة و14 آذار بالسياسة الضيّقة، وخلافات الزواريب والمناصب، ابتعد عن المشهد، وحسنًا فعل، لأنه ما عاد يليق به. وقبل أشهر، استمعت لكلمة قالها بمناسبة تكريم الراحل حبيب صادق، وفهمت أن السنين مرّت، ولكن المعدن اللبناني جدًّا لا يزال لبنانيًّا، وصلبًا.

تعيينه في لجنة “الميكانيزم” خبر سار نادر بعجقة الأخبار الكالحة التي توالت منذ قرّر العهد الوقوف بالوسط في مرحلة لا تحتمل الوسطيّة، ولا مسايرة من لا يستحقون المسايرة. تقديري أن ظروفًا دوليّة سهّلت التعيين، لأن اللون الطاغي على رجال الحكم اللبناني هو الرمادي، وهذا ليس لون السفير كرم. ما المطلوب منه اليوم؟ مع فهم تعقيدات المرحلة وخطورتها، ودون المبالغة

بالآمال والتوقعات، ومع الإقرار أن سياسات الدول التي تتحكّم بمسار لبنان لا تقرّرها لجنة “الميكانيزم”، ولا طبعًا السفير كرم، المطلوب منه اليوم قدر الإمكان أن يسرع. نعم: أن يسرع. بمرحلة 1982/1983، كان يمكن طرد حافظ الأسد فورًا من لبنان بعد هزيمته المشينة أمام الجيش الإسرائيلي بصيف العام 1982، ولكن عوامل مختلفة تضافرت كي يضيّع لبنان أشهرًا ثمينة استغلّها الأسد لإعادة تسليح نفسه، ثمّ الانقضاض على بلادنا بعد تغيير موازين القوى في صيف حرب الجبل، عام 1983. تقديري أن منذ تعرّض حزب اللّه لخسارته المذلّة قبل عام، هو يستخدم كلّ يوم لإعادة بناء ماكينته. قرأت بـ “الوال ستريت جورنال” مؤخرًا تقريرًا يفيد أن إيران مدّت “الحزب” بمليار دولار بالأشهر الماضية، عبر طرق تهريب مختلفة، ومصادر من الإمارات وتركيا. وأقرأ دوريًّا تقارير عن تهريب أسلحة من معابر تصل لبنان بسوريا لا يزال العمل فيها جاريًا رغم العداء الذي يكنه نظام الشرع لـ “حزب الله”. لا أستطيع أن أحكم على دقة كلّ ما أقرأ، ولكن عندي أن احتمال صحّته وارد، بل مرجّح.

يعني هذا أن كلّ يوم يضيّعه لبنان بالتساهل مع “حزب اللّه” يكسبه “الحزب” للتحضير لانقضاض لاحق سيأتي حتمًا لو كرّرنا الخطأ الذي ارتكبناه سابقًا مع حافظ الأسد. ما آمله من السفير كرم أن يدفع ضدّ منطق “بالعجلة الندامة/وبالتأني السلامة” لأن سلامة لبنان بهذه المرحلة تأتي من العجلة، ولأن التأني الذي يطبع أداء الحكم اللبناني استسلام للسلاح غير الشرعي، يكاد يكون معلنًا لولا الضغط الدولي. استطرادًا، ومع التكرار أنني لا أريد أن أحمّل لجنة “الميكانيزم” أكثر ممّا تحتمل، ولا السفير كرم، آمل كرأي شخصي أن تكون المرحلة الحاليّة بداية مسار يقود بالنتيجة للسلام بين الدولتين الجارتين، لبنان واسرائيل. لا عداء بين الدول للأبد. ولا خلاف وجود بيننا وإسرائيل. وأمّا الخلاف على الحدود فتقني وقابل للحلّ.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com