#‎الإسلام السياسي في بلاد #المسلمين : من التطرّف إلى الاعتدال…

من الحروب إلى السلام

بقلم بسام سنو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam

‎شهد العالم العربي والإسلامي خلال العقود الأخيرة تحوّلات عميقة في مسار ما يُعرف بـ”الإسلام السياسي”. فبعد أن كان هذا التيار يتحرك في هامش الدعوة والشعارات الواسعة، وجد نفسه “في كثير من الأحيان” ينزلق إلى مساحات الصراع، والتوظيف السياسي، ثم التطرّف المسلّح، قبل أن تدفع التجارب المريرة الشعوب والدول إلى إعادة التفكير في الأولويات. لقد بات واضحاً أن السلام والاستقرار والتنمية أهم بكثير من أي حرب لا تجلب سوى الخراب.

حروب أنهكت المنطقة… ونهج لم يُنتج إلا الدمار

‎من غزة إلى اليمن، ومن لبنان إلى سوريا، أثبتت الحروب العبثية أن نهج “الممانعة” بكل ما حمله من شعارات مقاومة تبيّن لاحقاً أنها مجرّد غطاء للصراعات، لم يُحقّق سوى الدمار والتراجع والتهجير. الخسائر الهائلة التي تكبّدتها الشعوب جعلت الجميع يدرك أن الوعود الأيديولوجية لا تبني أوطاناً، وأن الشعارات الكبيرة لا يمكن أن تُطعم شعباً جائعاً أو تعلّم طفلاً أو توفّر أمناً لمواطنٍ خائف.

‎هذه التجارب القاسية فتحت الباب أمام نهج عربي جديد أكثر واقعية وعقلانية، نهج يعلي منطق السلام على منطق السلاح، ويضع التنمية والازدهار فوق أي معركة لا تنتهي.

تحوّلات عربية… وبوادر مقاربات إقليمية جديدة

‎اليوم، نرى معظم الدول العربية “بدرجات متفاوتة” تتقدّم نحو مقاربات جديدة في علاقاتها الإقليمية، بما في ذلك فتح مسارات حوار وتسويات مع إسرائيل، وفق رؤى تُراعي مصالح شعوبها قبل أي شيء آخر.

‎حتى لبنان وسوريا، اللذان كانا تاريخياً تحت مظلة خطاب “الممانعة”، يبدوان أمام منعطف جديد يفرض عليهما قراءة مختلفة للواقع. أمّا السعودية، فمن المرجّح أن تكون من أبرز المنضمّين إلى مسار الانفتاح، خصوصاً عندما يستعيد اليمن سيادته بعيداً عن هيمنة الحوثيين. وكذلك قطر، التي لا يمكن أن تستعيد دورها الحقيقي دون مواجهة ملف الجماعات المتشددة وعلى رأسها الإخوان المسلمون.

الحرب الحقيقية… ليست حرب السلاح

‎لقد أثبتت التجارب العالمية قبل العربية أن التطرف “سواء كان دينياً أو سياسياً” لا يبني دولة، ولا يصنع مستقبلاً للشباب. الحرب الحقيقية اليوم هي حرب الاقتصاد، والتنمية، والتعليم، والتكنولوجيا.

‎الدول التي تنهض ليست تلك التي تملأ ساحاتها بالرايات والميليشيات، بل تلك التي تستثمر في الإنسان، وتبني مؤسسات قوية، وتخلق فرصاً حقيقية لجيل جديد يرفض أن يكون وقوداً لحروب الآخرين.

الاعتدال… قوة لا ضعف

‎السياسة، في جوهرها، هي فن الممكن، وفن تحقيق مصالح الشعوب لا جرّها إلى مغامرات كارثية. والاعتدال ليس ضعفاً كما يروّج البعض، بل هو حكمة ونضج وقوة، لأن الاعتدال يفتح الأبواب أمام حلول تُنهي القتل وتُعيد للدول استقرارها، وتجمع الأطياف الوطنية كافة حول مشروع جامع.

بناء السلام يبدأ من المنازل

‎إن أي مشروع سياسي حقيقي لا يُبنى في الخنادق، بل يبدأ من المنازل، ومن العائلات، من المدارس، من ثقافة تُقاوم الكراهية والعنف والتعصب. فالعنف لا يولّد إلا عنفاً، والحروب لا تُنتج إلا خرائب، بينما السلام العادل وحده قادر على صناعة الاستقرار والعدالة والتنمية.

الشعوب لم تعد تحتمل مغامرات جديدة

‎على كل من يرفض منطق السلام ويصرّ على جرّ الناس إلى التطرف والدمار أن يدرك أن الشعوب اليوم تغيّرت. لم تعد تقبل بأن تكون ضحية جديدة لمشاريع أيديولوجية فارغة. الشعوب تريد دولة قوية، عادلة، صلبة في حماية سيادة أراضيها، وفي الوقت نفسه حكيمة في قرارها، واضعة مصلحة أبنائها فوق كل اعتبار.

تقارب عربي… ولكن بشروط

‎إن أي تقارب عربي حقيقي يجب ألا يكون شكلياً أو مبنياً على المجاملات الدبلوماسية. التقارب لا ينجح إلا على أسس واضحة لا تتعارض مع مصالح الشعوب ولا تتجاهل حقها في الحرية والازدهار والكرامة.

لقد وصل العالم العربي إلى مفترق طرق. واليوم، بات الخيار واضحاً، إما أن نعيد تكرار أخطاء الماضي، أو أن نبني مستقبلاً جديداً يقوم على الاعتدال، التنسيق، التنمية، والسلام. والأمل كبير بأن روح العقلانية التي بدأت تسود في المنطقة ستكون بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والنهوض.

اخترنا لك