بقلم بسّام سنّو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam

كاتب وناشط سياسي
ما مرّ به الشعب السوري خلال السنوات الماضية من ظلمٍ وقتلٍ وتهجيرٍ ودمارٍ لم يَصُغْه شعباً ضعيفاً، بل أعاد تشكيله شعباً صلباً متماسكاً، أدرك معنى الوطن بعد أن دفع أثماناً باهظة في سبيله. لقد خرج السوري من محنته أكثر وعياً بقيمة الأرض والانتماء، وأكثر قدرةً على تحدّي قسوة القدر وصعوبة العيش.
هذا الشعب الذي وُضع في مواجهة الظلم والفقر والتهجير، استطاع أن يحوّل المعاناة إلى طاقة وإصرار، وأن يثبت “في كل بقاع الأرض” أنه قادر على التأقلم والعمل والإبداع. ورغم اختلاف البيئات الفكرية والدينية والاجتماعية التي عاش فيها، فقد حمل معه هويته وعزيمته، وتعلم من تجاربه في دول اللجوء ما لم يتح له أن يتعلمه في وطنه: خبرات إدارية وتنظيمية وعلمية وتكنولوجية ستصبح اليوم جزءاً من رصيد سوريا الجديد.
ومع سقوط النظام السابق، بدأ عدد كبير من السوريين يعودون إلى الوطن، محمّلين بمعرفة جديدة ورؤية أكثر تقدّماً. لم يعد العائد مجرد لاجئ يبحث عن مأوى، بل مواطنٌ يحمل مشروعاً ويملك خبرة، وكلٌّ في اختصاصه يريد أن يضع لبنة في بناء الدولة التي حلم بها يوماً.
أصبح للسوريين اليوم هدف واضح: إعادة بناء الدولة التي أجهضها الفساد والاستبداد، دولةٍ يقودها رئيس يؤمن بهذا المشروع، ويسعى “مع فريق عمله” إلى تحقيق العدالة ومحاسبة مغتصبي البلاد وعلى رأسهم النظام المخلوع.
سوريا اليوم تخلع عن كتفيها ثياب التعب، وتبدأ ورشة شاملة للإصلاح الإداري والسياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
بسوريا الجديدة، بات الفكر والمنطق متجددين. تمتلك البلاد فرصة حقيقية لتسبق الزمن بتبنّي أحدث التطورات، مدعومةً بمساندة عربية وتركية ودولية، ومحمولةً على مفهوم جديد للمواطنة ومحاربة الفساد من أسفل الهرم إلى أعلاه. الإدارة الجديدة تسعى لإنجاح مشروع بناء الدولة على أسس لم يشعر بها المواطن السوري من قبل.
قالها الرئيس الشرعي أمس في ذكرى التحرير: “نحن شعب يمتلك قدرات كبيرة تتفوق على كل التحديات. الشعب السوري ليس فقيراً، بل منهوب… نهبه نظام ظالم تاجر به وأخذ منه أعزّ ما يملك.”
نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء ما دمّره الاستبداد، ولإعادة الثقة بأن الحكومة والمواطن شريكان في خدمة الوطن، لا خصمان يتقابلان على أطراف الوجع. لنبنِ حيث هُدم، ولنعِد للإنسان السوري ثقته بنفسه وبوطنه، على أساس الاحترام وسيادة القانون، بعيداً عن الخضوع لأي فاسد كان.
سوريا الغد ليست مجرّد حلم… إنها ورشة حياة بدأت، وشعبٌ نهض من تحت الركام ليقول: نحن هنا… ونستحق وطناً يعادل تضحياتنا.