10 ديسمبر 1948 : اعتماد “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”

العالم المعاصر ومصطلح "حقوق الإنسان"

العالم المعاصر ومصطلح “#حقوق_الإنسان”

بقلم نظام مير محمدي – خاص بوابة بيروت

شهد مصطلح “حقوق الإنسان” في العقود الأخيرة استخداماً واسعاً في الأدبيات السياسية والاجتماعية العالمية. وقد تشكّلت حول “حقوق الإنسان” العديد من المنظمات والجمعيات المتنوعة، والتي تقوم كل واحدة منها بنوع من الرقابة على الحكومات والأجهزة المحلية والدولية.

مصطلح “حقوق الإنسان”، الذي تحوّل إلى مصطلح سياسي وحقوقي واجتماعي بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يُدرَّس الآن كمادة إلزامية في بعض الدول المتحضرة والديمقراطية، وخاصة في كليات الحقوق.

أهم ميثاق للمساواة والحرية، “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” بصفته أهم وثيقة دولية، يدعو “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” البشر إلى المساواة والحرية. ما هو هذا الإعلان أو “الميثاق الدولي لحقوق الإنسان”؟ ولماذا تحوّل إلى ضرورة “حقوقية وإنسانية”؟ وكيف أصبح وثيقة بهذه الأهمية و”عالمية النطاق”؟

حقوق الإنسان ترياق الحرب

نشأ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” من نتائج وآثار الحرب العالمية الثانية، وتم اعتماده في الأمم المتحدة بتاريخ ١٠ ديسمبر/كانون الأول ١٩٤٨. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تعريف وتدوين كيفية الحياة والنظام الاجتماعي وحقوق المواطنة والحكومات، ليشمل جميع البشر على وجه الأرض. وقد مثّل هذا الإعلان إجماعاً عالمياً ضد أي نوع من الجرائم في العالم.

كانت الحرب العالمية الثانية مسرحاً لجرائم النازية الهتلرية اللامحدودة ضد شعوب العالم. وفي تلك الحرب، بالإضافة إلى تداخل مصالح القوى العالمية، كان ما زاد من شهوة ارتكاب الجرائم هو تحريض مرتكبيها من خلال تلقينهم مفهوم التفوق العرقي وعقيدة “النازية”. لذا، دعا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى ضرورة التعايش السلمي بين بني البشر مع التمتع بكافة أنواع المعتقدات.

مراحل تشكيل إعلان حقوق الإنسان

تشكّل هذا الإعلان على مرحلتين. كانت هيكليته الأولية عبارة عن اتفاق بين فرانكلين روزفلت، رئيس الولايات المتحدة، وونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، وأُطلق عليه اسم “ميثاق الأطلسي” أول الأمر. في أغسطس/آب ١٩٤١، بينما كانت الحرب العالمية تفتك بالبشرية بوحشية، وقّع روزفلت وتشرشل مواده على متن سفينة حربية وأعلناها للعالم. كان الهدف من الميثاق هو إحلال السلام بين شعوب العالم. وكانت الجملة الرئيسية في هذا الميثاق: «يجب أن يعيش جميع البشر في جميع دول العالم حياة حرة وخالية من الفقر».

في يناير/كانون الثاني عام ١٩٤٢، بينما كانت الحرب لا تزال مستمرة، اعتمدت ٢٥ دولة متحدة ضد هتلر “ميثاق الأطلسي” كبيان للأمم المتحدة. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، تم توسيع هذا الميثاق إلى ٣٠ مادة، وتم اعتماده من قِبَل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مع مقدمة تقدم صورة عن مجمل الأوضاع العالمية في ظل الحرب وانتهاك حقوق الإنسان. قام الفيلسوف والدبلوماسي اللبناني “شارل مالك” بصياغة وتحرير نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وُلد شارل مالك عام ١٩٠٦، وكان من نشطاء حقوق الإنسان وأستاذ في جامعة بيروت، وتوفي عام ١٩٨٧.

مقدمة الميثاق المهمة والتنويرية

تحظى مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأهمية خاصة، والتي يمكن من خلال قراءتها إدراك ضرورة صياغته واعتماده: «لَمّا كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للتصرف هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، لَمّا كان من الضروري أن يتولّى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يُضطَرَّ المرء، آخر الأمر، إلى التمرد على الظلم والاضطهاد، لَمّا كان من الضروري العمل على تنمية العلاقات الودية بين الأمم، لَمّا كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت في الميثاق تأكيد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبتساوي الرجال والنساء في الحقوق، وقد عقدت العزم على دفع الرقي الاجتماعي قُدُماً وعلى تحسين أحوال الحياة في جو من الحرية أكبر، لَمّا كان سوء فهم هذه الحقوق والحريات وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية أثارت سخط الضمير الإنساني، وكان الغاية العليا التي ينشدها عامة البشر هي قيام عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر فيه من الخوف والفاقة، لَمّا كان للإدراك المشترك لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد.

فإن الجمعية العامة تُعلن هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كـ “مستوى مشترك للإنجاز لجميع الشعوب وكافة الأمم”، كي يسعى كل فرد وكل هيئة في المجتمع، واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام، ومن خلال التعليم والتربية، إلى تنمية احترام هذه الحقوق والحريات، واتخاذ التدابير المطردة، الوطنية منها والدولية، لتأمين الاعتراف بها ومراعاتها فعلياً بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها وفي الأقاليم الخاضعة لولايتها.»

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينفي كيان نظام الملالي المناهض للإنسانية

من المناسب، عند التعريف بالذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاحتفاء بها، أن نؤكد على الانتهاك المستمر لهذا الإعلان من قِبَل نظام ولاية الفقيه. يُعد هذا النظام واحداً من أكبر المنتهكين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل وأفضل القول إنه المنتهك الرئيسي له، حيث أدانته الأمم المتحدة ٧٢ مرة منذ عام ١٩٨٥ حتى الآن، بالاستناد إلى مواد الإعلان العالمي الـ ٣٠.

بعد أكثر من سبعة عقود على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لم يلتزم نظام ولاية الفقيه بأي من مواده ولم يراعها. ومن أبرز حالات الانتهاك الصريح لهذا الإعلان وإهانة للأمم المتحدة والمجتمعات الدولية، هو تمرير وتنفيذ قانون تحت عنوان “حقوق الإنسان الإسلامية”، والذي يُعد أساساً ترخيصاً لقمع وارتكاب الجرائم ضد أي إنسان يقيم في إيران.

في ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يجب التأكيد على أن مشكلة جميع الإيرانيين على مدى ٤٧ عاماً الماضية كانت في دهس النظام الملالي للحقوق الإنسانية والمدنية الأساسية. هذا النظام هو بالمعنى الدقيق للكلمة عدو هستيري للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويعتبر مقدمته ومواده الـ ٣٠ مرادفاً لميثاق إسقاطه.

نضال الشعب والمقاومة الإيرانية لنيل الديمقراطية وحقوق الإنسان

في الاحتفال بالذكرى السنوية لاعتماد هذا الإعلان، يجب الإشادة بجهود ونضالات وانتفاضات جميع فئات الشعب الإيراني، والرواد والنشطاء من دعاة الحرية على مدى الـ ٤٧ عاماً الماضية. تحية وإجلال لمن تحمّلوا الكثير من المعاناة والمشقة، وسعوا دائماً للدفاع عن نصوص هذا الإعلان ونشرها في البلاد الواقعة تحت سيطرة الاستبداد الديني، وكرّسوا حياتهم وأرواحهم لتحقيق الحرية والمساواة في إيران والتعايش السلمي مع شعوب العالم.

قالت السيدة مريم رجوي في رسالة إلى مؤتمر حقوق الإنسان في جنيف بتاريخ ٢٩ سبتمبر/أيلول ٢٠٢٥: «… إن وضع حقوق الإنسان في إيران يتطلب اهتماماً فورياً من المجتمع الدولي. فالشعب الإيراني يرزح تحت وطأة القمع الثقيل، والجرائم المرتكبة ضده مروّعة… يجب على المجتمع الدولي دعم حقوق وحرية المحتجين والمنتفضين ووحدات الامقاومة في نضالهم ضد الحرس الثوري، كما أكد على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إن نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية هو أيضاً نضال من أجل السلام في المنطقة والعالم. ويقع على عاتق المجتمع الدولي الوقوف إلى جانبهم والاعتراف بنضال الشعب الإيراني من أجل نيل الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.»

اخترنا لك