بقلم سعيد مالك
أشهُر قليلة تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي، في أيّار المُقبل. حيث سنشهد ولادة مجلس نيابيّ جديد، تتبعها حكومة، وانطلاقة حديثة للعهد.
لكن المُفارقة تكمن، أننا ما زِلنا في المُربّع الأوّل. مُربّع الاتفاق على القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات. فالحكومة أرسلت مشروع قانون مُعجّل بِغرض تعديل بعض مواد القانون وتعليق البعض الآخر. وعوض أن يُبادر الرئيس برّي إلى مناقشة هذا المشروع المُعجّل في الهيئة العامة، أحاله إلى اللجان، بِغرض استهلاك المهل واستنفادها.
واليوم، تُفيد مصادر مُقرّبة من أهل القرار، بأن إخراجًا يُعمل عليه عنوانه إرجاء الانتخابات لشهرين من الزمن، وإلغاء حق المنتشرين في الخارج، والإجازة لهم بالاقتراع في لبنان في تمّوز المُقبل عوض أيّار المُنتظر.
وهذا الإخراج (في ما لو صحّ) يستوجب أوّلًا تمديدًا للمجلس النيابي الحالي لمدّة شهرين أقلّه، وإلغاءً لحق المنتشرين بالتصويت في الخارج، للإجازة لهم بالتصويت بالداخل.
فأوّلًا، بالنسبة للتمديد للمجلس النيابي، فذلك سيُخالف حُكمًا مبدأ دورية الانتخابات، الذي هو مبدأ دستوري لا يجوز المسّ به مُطلقًا. وسيكون قانون التمديد بحال صدر مخالفًا لمبدأ دورية الانتخاب، لارتباطه بمبدأ انبثاق السلطة من الشعب، وخضوعها للمحاسبة في الانتخابات الدورية. فلا يجوز دستورًا إرجاء الانتخابات الدورية ولو لأيّام قليلة، كَون ذلك يضرب المواعيد الدستورية والمُحدّدة قانونًا. وسيُعرّض هذا القانون للطعن أمام المجلس الدستوري، كونه لن يجد أسبابًا مُبرّرة لهذا التمديد. علمًا، أن التذرُّع للإرجاء بعدم الاتفاق على قانون انتخابات جديد، سيردّه حُكمًا المجلس الدستوري، عملًا بالقرار رقم 7/2014 تاريخ 28/11/2014، الذي أكّد فيه مبدأ دورية الانتخابات، وحتميّة إجرائها في موعدها دون أي تأجيل أم تمديد.
هذا مِن جهة، ومن جهةٍ أُخرى، إن القرار بإلغاء حق المنتشرين بالاقتراع في الخارج، سيُشكّل فضيحة مدوّية، ومخالفة دستورية فاضحة. وأي قانون سيصدر بإلغاء حق المنتشرين بالخارج، سيكون مُعرّضًا للطعن أمام المجلس الدستوري حُكمًا.
فالمنتشر صوّت في الخارج عام 2018 كذلك عام 2022 وبالتالي حق تصويته بالخارج بات مُكرّسًا وحقًا مُكتسبًا ثابتًا وأكيدًا. فالتشريع صحيح أنه يُمكن أن يتبدّل، عملًا بقاعدة “لا ثبات في التشريع” لكن التعديل يجب أن يأتي لمصلحة المستفيد منه وليس خلافًا لمصلحته. ونكتفي بذكر فقرة من قرار صادر عن المجلس الدستوري (قرار رقم 6/2014 تاريخ 6/8/2014) جاء فيها:
“بما أن الأمان التشريعي sécurité juridique لا يعني ثبات أوضاع قائمة، بل أخذ هذه الأوضاع بالاعتبار من خلال تشريع مُتدرّج زمنيًا يُساهم في الانتقال إلى وضع تشريعي أكثر إنصافًا وانسجامًا مع القواعد التعاقدية العامة”.
ما يُفيد، أن أي قانون يصدر عن المجلس النيابي ينزع عن المنتشرين حق الاقتراع في الخارج، سيكون مُخالفًا لمبدأ الأمان التشريعي ولمبدأ الحقوق المُكتسبة، المبادئ الدستورية التي لا يجوز المسّ بها إطلاقًا. وسيُعرّض هذا القانون للطعن أمام المجلس الدستوري، الذي لن يتوانى عن إبطاله حرصًا على الدستور والمبادئ الدستورية التي لا يجوز تجاوزها.
بالخُلاصة، الانتخابات العامة يجب أن تجري في مواعيدها، احترامًا للدستور وللاستحقاقات. وحق المنتشر في الاقتراع في محل إقامته، بات حقًا مُكتسبًا ثابتًا وأكيدًا، لا يجوز تجاوزه، عملًا بقاعدة الأمان التشريعي “sécurité juridique”. وإن كان من تحديث لهذا التشريع، يجب أن يأتي أكثر إنصافًا للمنتشر، ويؤمّن له حقوقًا إضافية، لا أن ينزع منه حقوقًا مُكتسبة أصلًا.
وبالتالي، أيّ قانون سيهدف إلى التمديد للمجلس الحالي ولو لساعات قليلة، وأي قانون سيهدف إلى نزع حق المنتشرين بالتصويت من محلّ إقاماتهم.
سيكون معرّضًا للطعن أمام المجلس الدستوري، والغد لناظره قريب.