من أزمة الماء إلى فرصة وطنية…

بين رؤية الوزير وحلم اللبنانيين بمياه تصل صافية إلى منازلهم

خاص بوابة بيروت

عندما تحدّث وزير الطاقة والمياه جو صدي خلال رعايته ندوة “الأمن المائي في لبنان: من الأزمة إلى الفرصة” عن السؤال الذي يلاحقه أينما ذهب، متى ستحصل البلاد على 24 ساعة من الكهرباء؟

ذكّرنا بسؤال أخطر وأعمق لم يُطرح بما يكفي، متى سنحصل على 24 ساعة من الماء؟

هذه ليست عبارة تقنية.

إنها مرآة لجذور أزمة تمتد إلى عمق الإدارة والحوكمة والبنية المؤسسية، حيث يتحوّل الماء من حقّ إنساني إلى معاناة يومية تمسّ صحة المجتمع واستقراره وكرامته.

الوزير صدي محقّ حين يقول إن أزمة المياه أعقد من أزمة الكهرباء. فالماء ليس خدمة إضافية؛ الماء هو الحياة نفسها، وكل خلل فيه يخلق سلسلة من الاضطرابات: صحية، اجتماعية، بيئية، واقتصادية.

ومع ذلك، يبقى في قلب كل أزمة فرصة. فرصة لإعادة بناء منظومة مائية جديدة لا ترتكز على السياسة وحدها، بل على المعرفة العلمية، والإصلاح المؤسسي، والحلول المبتكرة.

الفرص الغائبة: الينابيع الساحلية والطاقة الزرقاء

لبنان يجلس فوق ثروة مائية مُهمَلة: الينابيع الساحلية البحرية، وهي مصادر ثابتة للمياه العذبة عند التقاء المياه الجوفية بالبحر. هذه الينابيع قادرة على:
•   تحسين إمدادات المدن الساحلية
•   حماية المياه الجوفية من التملّح
•   تخفيف الضغط عن الينابيع الجبلية
•   خفض الهدر لأن نقاط السحب ثابتة ومدروسة
•   توفير حلول خلال سنوات قليلة لا عقود

هذه ليست نظرية. هي حلول مُطبّقة علمياً في دول تواجه الظروف نفسها، ولبنان يمتلك المقوّمات الجيولوجية لإنجاحها.

إلى جانب ذلك، هناك مصدر طاقة ما زال خارج دائرة النقاش الوطني:
الطاقة الزرقاء – Blue Energies.

وهي تشمل طاقة الموج، طاقة المدّ والجزر، وتكنولوجيا توليد الطاقة من التقاء الماء العذب بالمالح.

هذه الطاقة يمكن أن تشكّل مورداً نظيفاً ومستقلاً يدعم القطاع المائي والطاقوي معاً، وتفتح أبواباً جديدة أمام الاقتصاد الأخضر وفرص العمل للشباب.

وهذه الركيزة تحديداً هي جزء من الفلسفة التي أطرحها في كتابي “13 Pillars Society of Peace”، ضمن رؤية تعتبر أن الأمن المائي والطاقة المستدامة هما أساس السلام البيئي والاجتماعي.

بين رؤية الوزارة والرؤية الوطنية الأوسع

ما ذكره الوزير من خطوات كتعزيز التخزين، متابعة ملف السدود، ومعالجة الهدر والسرقات، وشراكات الخبراء… هو جزء أساسي من الحلّ.

لكنّ هذه الخطوات تصبح أكثر فعالية عندما تتكامل مع رؤية أوسع: إعادة هندسة قطاع المياه ليصبح ركيزة للسلام المجتمعي، والصحة العامة، والتنمية المستدامة.

فالأمن المائي ليس مشروعاً تقنياً فقط، إنه مشروع ثقة بين المواطن والدولة، ومدخل لشفاء بلد أثقلته الأزمات لكنه لا يزال قادراً على النهوض حين تُفتح أبواب المعرفة والابتكار.

حلم الماء الذي ينتظره اللبنانيون

يبقى الحلم الأكبر بسيطاً إلى حدّ الوجع، أن نرى الماء الصالح للشرب يخرج من حنفية البيت، نظيفاً وآمناً، بلا خوف، بلا غالونات، بلا عبء مادي، وبلا بلاستيك يملأ بيوتنا وبيئتنا.

هذا الحلم ليس ترفاً. إنه جزء من كرامة العيش، ومن حقّ الإنسان في وطنٍ يحترم صحته، بيئته، ومستقبله.

وكلما اقتربنا من هذا الهدف، اقترب لبنان من أن يصبح بلداً قادراً على بناء سلام حقيقي… سلام يبدأ من نقطة ماء، ويمتد ليشمل الإنسان والطبيعة والمجتمع كله.

اخترنا لك