بقلم أمل شموني
يمثل إطلاق “مجلس النهوض بالسلام الأميركي اللبناني” (ALPAC) في واشنطن الأسبوع الماضي لحظة محورية ضمن الجالية الأميركية اللبنانية. إذ مع تفاقم التوترات الإقليمية، يعكس هذا المجلس سعي اللبنانيين الأميركيين والأميركيين من أصل لبناني الحثيث نحو شراكة شاملة بين الولايات المتحدة ولبنان، تقوم على التعاون الأمني، والإصلاح المؤسّسي، واتفاقية دفاعية لبنانية أميركية رسمية.
وتجد رؤية المجلس الطموحة، كما رؤى اللوبيات اللبنانية الأخرى، صدى لدى المسؤولين الأميركيين الذين يؤكدون أن مصير لبنان مرتبط ارتباطًا وثيقًا بآفاق السلام والاستقرار والتعدّدية الإقليمية الأوسع. فقد نقل رئيس المجلس المهندس فؤاد عربيد عن الرئيس ترامب اهتمامه بلبنان وقوله إن لديه رغبة في إصلاح الوضع فيه.
وبرنامج المجلس، كما معظم اللوبيات اللبنانية الأميركية، يتمحور حول السعي للتأكيد أن لبنان عنصر حيوي في استراتيجية أميركا في الشرق الأوسط. لكن قبل كلّ شيء، يقول عربيد، يجب الاعتراف بأن “لبنان يمثل حجر الزاوية للأمن الإقليمي، ومن دونه يصبح الحديث عن السلام والازدهار في الشرق الأوسط صعبًا”.
يتزامن إطلاق هذه المبادرة مع تركيز متجدّد للسياسة الأميركية على سيادة لبنان واستقراره وتعدّديته. في هذا الإطار، أوضح جاكوب ماكغي، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل: “ندعم لبنان ذا سيادة، مستقرًا، وديمقراطيًا، متحررًا من التدخل الأجنبي، قادرًا على الدفاع عن حدوده، محكومًا بما يحقق مصلحة جميع أبنائه، ويعيش في سلام مع جيرانه”. وأضاف ماكغي: “سنواصل الضغط من أجل أن يلعب المغتربون دورًا أساسيًا في المجتمع”، مشدّدًا على أن واشنطن “تدعم حق المغتربين في التصويت في الانتخابات المقبلة”.
ويأتي إطلاق المجلس مصحوبًا بتحذير شديد اللهجة بشأن “التهديد الوجوديّ الذي يواجه المجتمع المسيحي في لبنان”، والذي لطالما كان حجر الزاوية في الهوية التعدّدية للبلاد. وقد نبّه عربيد من أن المسيحيين “يواجهون التهميش الديموغرافي والسياسي”، لافتًا إلى ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” خلال تغطيتها زيارة البابا لاوون الرابع عشر بأن المسيحيين كانوا يشكلون أكثر من نصف سكان لبنان عام 1975، بينما لا تتجاوز نسبتهم حاليا 32 %، لا بل إن بعض التقديرات تشير إلى نسبة أقل من ذلك.
في هذا الإطار، قال ماكغي إن واشنطن تشدّد على أهمية الحرية الدينية والتعدّدية باعتبارها مصالح وطنية أميركية، وقال: “إن الحفاظ على الحرية الدينية والتعدّدية في لبنان، بما في ذلك مجتمعاته المسيحية، يمثل مصلحة وطنية حيوية للولايات المتحدة”.
وكان السيناتور ليندسي غراهام قد برز كأحد أبرز الداعين إلى اتفاقية دفاعية بين الولايات المتحدة ولبنان. يرى غراهام أن التنوّع الديني والعرقي في لبنان هو أساس صموده وسبب ضرورة الانخراط الأميركي فيه. وقد أكد أن تجسيد لبنان للتسامح والتعددية يُشكل “حجة قوية لانخراط واشنطن في دعم تطلعات بيروت السيادية.
ويطرح اقتراح غراهام بشأن اتفاقية دفاعية قوية كسبيل استراتيجي لتعزيز الاستقرار الإقليمي. ويؤكد أن روح التعايش الفريدة في لبنان يمكن أن تكون بمثابة حصن منيع ضد التطرف ونموذجًا يُحتذى به في المنطقة، إذا ما اضطلعت الولايات المتحدة بدور الشريك الملتزم.
من هنا، يؤكد عربيد أن ثمّة حاجة إلى التزام أميركي راسخ بلبنان، مضيفًا أنه “يجب على أميركا أن تتحرّك بحزم لدعم الجيش اللبناني في جهودها لنزع سلاح المتطرّفين، وتتبّع مصادر تمويلهم، ومعاقبة النخب الفاسدة، بغض النظر عن مناصبهم في الحكومة”. ودعا عربيد اللبنانيين الأميركيين والأميركيين من أصل لبناني إلى متابعة ما أعلنه السيناتور غراهام في آب الماضي من بيروت والسعي للتأثير على الكونغرس “لصياغة اتفاقية دفاعية أميركية لبنانية”.
ويهدف مجلس النهوض بالسلام الأميركي اللبناني إلى توحيد أهداف اللبنانيين الأميركيين وأصدقاء لبنان في أميركا للعمل على هدف تحقيق مستقبل يسوده السلام والرخاء الاقتصادي. وقال عربيد :”نريد أن نتمكن من العودة إلى لبنان، إن رغبنا في ذلك”. وأضاف: “كلامنا يتقاطع مع دعوات البابا لاوون الرابع عشر للسلام التي تعطي الأمل للمسيحيين في الشرق الأوسط”.
وفيما يشجع عربيد ابرام اتفاقية دفاعية رسمية بين الولايات المتحدة ولبنان، يشدّد على أن هذه الاتفاقية “ستضمن السلام والاستقرار على المدى الطويل، وتدعم جهود الجيش اللبناني في بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، وصولًا إلى أهداف بيروت التي تتطلع إلى السلام مع جيرانها”.
رسالة المجلس واضحة، يقول عربيد، “إذ بدون مشاركة أميركية صريحة وحاسمة، يُخاطر لبنان بأن يصبح بؤرة توتر دائمة. وبمشاركة أميركية، يُمكن للبنان أن يكون ركيزة أساسية للازدهار الإقليمي”. غير أن عربيد دعا لكي تكون المساعدة الأميركية مشروطة بإصلاحات مؤسسية، “تشمل مزيدًا من الشفافية والمساءلة واستقلال القضاء، لمكافحة الفساد والنفوذ الأجنبي وخاصة الإيراني”.
وفيما يشدّد عربيد على أن “مسيحيي لبنان ليسوا مجرّد أقلية”، بل هم “الرابط الذي يجمع الطوائف الأخرى، والقوة المعتدلة في خضم التطرّف والكراهية والمعاداة لأميركا”، تُولي الإدارة الأميركية اهتمامًا بالغًا بتعزيز الحرية الدينية.
وقد صرّح وزير الخارجية روبيو بوضوح أن اضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط يُمثل أزمة أخلاقية. كما أكّد نائب الرئيس جاي دي فانس ضرورة أن تكون الولايات المتحدة صوتًا رائدًا في الدفاع عن المسيحيين المضطهدين، وأعلن الرئيس ترامب مؤخرًا: “سندافع عن المسيحية، هذا ما أؤكده لكم”. من هنا، بحسب ماكغي، “تدعم واشنطن لبنان التعدّدي والسيادي في رؤية لشراكة متجدّدة مع الولايات المتحدة”.