خاص بوابة بيروت

كاتب وناشط سياسي
لطالما كانت بيروت مرآة للتوترات السياسية والاجتماعية التي عصفت بلبنان على مدى عقود، مدينةً دفعت أثماناً باهظة جرّاء تدخلات قوى إقليمية ومحلية سعت إلى فرض نفوذها بالقوة والترهيب.
من بين أبرز هذه القوى، تلك الأحزاب المصنّفة ضمن ما يُعرف بـ”أحزاب الممانعة”، التي استفادت تاريخياً من دعم النظام السوري، لتتحول لاحقاً إلى أذرع محلية ذات تأثير واسع، امتد إلى مفاصل الحياة اليومية والأمنية في العاصمة.
تاريخ هذه الأحزاب في بيروت
منذ ثمانينات القرن الماضي، بدأت ملامح تمدّد هذه الأحزاب في لبنان تتبلور بوضوح. عزّزت نفوذها مستندةً إلى دعم سياسي وأمني من النظام السوري، ما سمح لها بالسيطرة على بعض الأحياء والمناطق الحيوية في العاصمة.
شهدت شوارع كالحمراء والروشة وغيرها أشكالاً متعددة من الترهيب، حيث فرضت مجموعات محسوبة على تلك الأحزاب نفوذها على المحال التجارية والمؤسسات، فارضة ما يشبه “الخوات” أو الإتاوات مقابل ما تدّعي أنه حماية.
عانى المواطنون من تهديدات وضغوط، فيما كان أي اعتراض يُقابَل بعنف أو تطويق ممنهج. هذا الواقع خلق مناخاً من الخوف، وجعل كثيرين يشعرون بأنهم يعيشون تحت سلطة موازية تتصرف فوق القانون.
من الشارع إلى البرلمان: تحويل النفوذ إلى شرعية سياسية
لم يقتصر نفوذ هذه الأحزاب على الأرض فحسب، بل استطاعت لاحقاً الدخول إلى المجلس النيابي عبر انتخابات لطالما أثارت حولها شكوكاً في تأثير القوى الخارجية على مسارها.
تحوّل وجود هذه الأحزاب داخل المؤسسات الدستورية إلى غطاء يمنحها شرعية سياسية، رغم أن العديد من اللبنانيين لا يزالون يعتبرونها امتداداً لأجندات إقليمية تتقدم على المصلحة الوطنية.
هذا التحوّل شكّل بداية مرحلة جديدة من الصراع على السيادة اللبنانية، حيث أصبح لهذه الأحزاب قدرة مباشرة على تعطيل القرارات الحكومية وفرض سياسات تتقاطع مع مصالح الخارج، لا الداخل.
الناشط شفيق بدر… صوت بوجه الهيمنة
في هذا السياق، يبرز تحرّك الناشط شفيق بدر الذي تقدّم بدعوى قضائية ضد بعض أحزاب الممانعة، معتبراً أنها تجاوزت حدود العمل السياسي الطبيعي، وتسببت “بحسب رأيه” بضرر مباشر لأمن المواطنين وسيادة الدولة.
يمثّل هذا التحرك خطوة جريئة تعبّر عن رغبة شريحة من اللبنانيين في الدفع نحو محاسبة القوى التي ترى أنها استخدمت نفوذها خارج إطار القانون.
سواء اتفقت معه أو اختلفت، لا يمكن إنكار أن مبادرة بدر تعكس اتجاهاً جديداً لدى المجتمع المدني: كسر حاجز الخوف والمطالبة بالمحاسبة.
نحو الزوال: لماذا يضعف نفوذ أحزاب الممانعة اليوم؟
تبدو مؤشرات تراجع نفوذ هذه الأحزاب واضحة اليوم، لعدة أسباب:
- انحسار الدعم الإقليمي الذي كان يشكّل ركيزة لوجودها.
- تغيّر الوعي الشعبي وارتفاع صوت المواطن الرافض لتحكّم السلاح غير الشرعي.
- فشل هذه الأحزاب في تقديم حلول اقتصادية أو إنمائية بعد سنوات من المشاركة في الحكم.
- تحول المجتمع اللبناني نحو خيار الدولة بعد ما عاشه من أزمات انهيارات.
أصبح من الواضح أن استمرار وجود ميليشيات مسلحة خارج إطار الدولة يشكّل خطراً على الأمن الوطني، ويعرقل قيام دولة مدنية عادلة تحكمها المؤسسات والقوانين.
دور الدولة والمواطن في المرحلة المقبلة
الدولة اللبنانية مطالبة اليوم بخطوات حازمة:
- فرض سيادة القانون على كامل الأراضي اللبنانية.
- سحب أي شكل من أشكال السلاح غير الشرعي.
- مراقبة عمل الأحزاب والتزامها بالقوانين المرعية الإجراء.
- دعم القضاء في المسارات القانونية التي يطلقها ناشطون أو مواطنون متضررون.
لكن الدولة وحدها لا تكفي.
المواطن اللبناني هو الركن الأساس في هذه المواجهة.
فمن دون دعم شعبي واسع، لن تكون أي حركة إصلاحية كافية أمام منظومات اعتادت على فرض نفسها بقوة السلاح لا قوة القانون.
نهاية عهد وبداية آخر
تتجه أحزاب الممانعة، عاجلاً أم آجلاً، نحو زوال نفوذها، لأن الزمن تغيّر والشعب تغيّر، ولم يعد يقبل باستمرار دوامة العنف والهيمنة.
لبنان بحاجة إلى نموذج جديد من السياسة، قائم على المواطنة لا الميليشيات، وعلى القانون لا الترهيب.
إن نهاية عصر هذه الأحزاب “إن تحققت” لن تكون مجرد حدث سياسي، بل ستكون ولادة لبنان جديد، لبنان السيادة، لبنان العدالة، لبنان الذي يستحقه شعبه.