سبحان مغَيِّر الأحوال

بقلم سناء الجاك

معه حقه رئيس مجلس النواب نبيه برّي عندما وصف مقترح توم برّاك بشأن ضم لبنان إلى سوريا بأنه “غلطة كبيرة”. معه حق في رفضٍ كان يعتبره محور الممانعة خيانة عظمى، وطعنة صهيونية تُوجه إلى “قلب العروبة النابض”. ففي حقبة هيمنة النظام الأسدي ومن ثم التوسع الإيراني، كان السائد تخوين رافعي شعارات “الحرية والسيادة والاستقلال” وتصنيفهم عملاء للشياطين، من أكبرهم إلى أصغرهم.

وعندما كانت المنطقة تحت رحمة الممانعة من طهران مرورًا ببغداد ودمشق إلى بيروت، كان المطلوب أكثر من ضم لبنان إلى سوريا، فقد أُلغِيت المعابر الشرعية، إذ باتت لزوم ما لا يلزم، مع الخطوط السالكة والآمنة وصولًا إلى رأس المحور، لنقل الأسلحة والبشر والسلع بأريحية تصبح معها الحدود والخرائط والهويات الوطنية مسائل تافهة ينبغي تجاوزها.

أما اليوم، ومع الانقلابات السوريالية التي عصفت بالمنطقة بفعل آلة القتل الإسرائيلية للرد على “طوفان الأقصى” و”حرب الإسناد”، وفرض واقع جديد، لم يكن الخيال الممانع وغير الممانع يرقيان إليه، من البديهي أن يستنفر بري لدى سماعه طرح ابتلاع لبنان، ويرفض مشهد دولة واحدة تمتد من الحدود العراقية والتركية والأردنية والإسرائيلية، لتصبح الطائفة الشيعية مثل المسيحية، أقلية وسط مدٍ هائل للسنة. لذا، لا بد له أن يتحرك وعلى كل جبهة مفاوضات ممكنة، ويتجاوز تلك المسافة الرجراجة التي لطالما حافظ عليها بينه وبين المحور، التي تتسع حينًا لتعود إلى التلاشي في أغلب الأحيان، وذلك وفق معطيات كل مرحلة.

ففي ساعة الجد، لا يتهاون الرجل ولا يقامر بمصير الطائفة، كما يبين الدور الذي يلعبه حاليًا، من أجل حماية طائفته المنكوبة بالعدوان الإسرائيلي المستمرّ والمتفاقم، وبالإصرار الإيراني على استخدام لبنان صندوق بريد بغية فتح حوار مع الولايات المتحدة.

لذا، لا بد له من التصدي ورمي كل التاريخ القريب، الذي تلا اتفاق الطائف، والذي أعطاه عصره الذهبي ومفتاح البرلمان وحصة الأسد من جبنة الدولة، وصولًا إلى حبكة الثنائية مع “حزب الله” بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وانسحاب الجيش السوري من لبنان، فقط لإكمال المسيرة والمسار الذي بدأ يمتد إلى طهران.

أو ربما لا يرميه، بل يضعه جانبًا، لتدوير الزوايا مع هبوب إعصار هذا الشرق الأوسط الجديد، ومناطقه الاقتصادية الملغمة بالأطماع الإسرائيلية للتمدد، وبالمشاريع المشبوهة كتلك التي يطرحها توم برّاك.

بالتالي، فإن منبع رفض عملية الضم والفرز بين لبنان وسوريا لدى بري، لا يشبه الرفض الذي كان يتصدى لمصادرة النظام الأسدي ومن ثم الإيراني سيادة لبنان. فهو المحنك القادر على اللين بحيث لا ينكسر، يعرف متى يَكْسُر، وإلى أي مدى… فالزمن الأول تحوَّل، وراحت إلى غير رجعة “وحدة المسار والمصير” وأصبح خائنًا كل من يردد أن اللبنانيين والسوريين “شعبان في بلد واحد”.

فعلًا.. سبحان مغَيِّر الأحوال!

اخترنا لك