في ذكرى رحيلِ جبران تويني

خاص بوابة بيروت

كَثُرَ الجَبّارِنَةُ في لبنان.

فأوَّلُهُم فَيْلَسُوفٌ كَفَرَ بِرَبِّهِ حينَ خَسِرَ أُخْتَهُ سلطانَهْ، فقال: “لقد ماتَ ربّي عندمَا ماتَتْ سلطانة، فكيفَ أحيَا بعدَ اليومِ يا ربُّ؟”

وفي عِزِّ اعتِرافِهِ بِالكُفرِ بنُكرانِ الله، اعْتَرَفَ بِوجودِهِ لأنّهُ اعترَفَ بالحياةِ، وكأنَّ دمعَتَهُ الهابِطَةَ على صَدرِ الجَبَلِ كانتْ مِفتاحًا خَفيًّا لِبابِ الإيمان.

وماتَ مُؤمِنًا بِلُبنانَ وَبِالرَّبِّ، ودُفِنَ تَحْتَ جُذورِ الأَرْزِ، كَأنَّهُ يُعانِقُ تُرابَهُ عِناقَ عاشِقٍ عادَ إلى أوَّلِ حَبيبٍ.

وكَتَبَ: “أَنا حَيٌّ مِثْلَكَ، وأَنا واقِفٌ الآنَ إلى جانِبِكَ؛ فاغْمِضْ عَيْنَيْكَ وَالتَفِتْ؛ تَراني أمامَكَ.”

إشارةً إلى بَقاءِ الرّوحِ والكَلِمَةِ، فَبَقي هوَ … وَلَمْ يَرْحَلْ.

والثّاني أَقْسَمَ عَلَى حُبِّ لُبنانَ حَتّى الثَّمالة، وجَمَعَ مكوِّناتِهِ الحَضاريَّةَ، وزرعَ قَسَمَهُ أرزًا خَالدًا في ساحةِ الحُرِّيَّةِ: “نُقْسِمُ بِاللهِ العَظيمِ، مُسْلِمِينَ وَمَسِيحِيِّينَ، أَنْ نَبْقَى مُوَحَّدِينَ إِلَى أَبَدِ الآبَدِينَ، دِفاعًا عَنْ لُبْنانَ العَظيمِ.”

هذا القَسَم الذي خَلَّدَ وجودَهُ، فاستُشهِدَ فِداءً لِلُبنانَ العَظيم.

فَبَقي هوَ وهُمُ أي قاتِلوهُ رَحَلوا، ومَنْ مِنهُم بقي فهو حتمًا راحِلُ… وَهو لَنَ يَرْحَلَ.

أمّا الثّالثُ فَرَحَلَ بِالرّوحِ قَبلَ أنْ يَأْتِيَ رُوحًا، لأنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ شَرَفَ البَقاءِ رُوحًا خالِدَةً في لُبنانَ الّذي أَنْكَرَ جَوْهَرَ وُجودِهِ.

فأنْكَرَهُ لُبنانُ في يَوْمِ الدِّينونَةِ الاقتِراعِيَّة، وسَيُنْكِرُهُ حَتْمًا…

في كُلِّ لَحْظَةٍ تُولَدُ فيها ذاكرةُ الوَطن.

لذلك، هو راحِلٌ حتمًا ولن يجرؤ على البقاء.

اخترنا لك