خاص بوابة بيروت

صحافي استقصائي وباحث في حقوق الانسان
خلال الفترة الممتدة من ديسمبر 2024 إلى ديسمبر 2025، واصلت المملكة العربية السعودية ترسيخ حضورها كدولة محورية في النظامين الإقليمي والدولي، ليس فقط من خلال ثقلها السياسي والاقتصادي، بل عبر مقاربة متكاملة تضع الإنسان وكرامته وحقوقه في صلب السياسات العامة.
وقد شكّلت توجيهات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الإطار الناظم لهذه المرحلة، التي يمكن توصيفها بأنها عام التحوّل المتسارع نحو حماية الإنسان وبناء الاستقرار المستدام.
هذه المرحلة لم تكن امتدادًا روتينيًا لمسار سابق، بل مثّلت نقلة نوعية في طريقة إدارة الملفات الكبرى؛ من السلام والدبلوماسية، إلى التنمية والاقتصاد، مرورًا بالعمل الإنساني، والإصلاح الاجتماعي، وتعزيز مكانة المملكة كقوة توازن مسؤولة في عالم مضطرب.
الدبلوماسية وصناعة السلام، السعودية كمنصة حلول لا كطرف صراع
خلال هذا العام، برزت السعودية كفاعل دبلوماسي هادئ وفعّال، يبتعد عن الاستقطاب، ويقترب من منطق التوافق وبناء الجسور. فقد واصلت المملكة لعب أدوار وساطة في عدد من الملفات الإقليمية والدولية، مستندة إلى سياسة خارجية تقوم على احترام سيادة الدول، وتغليب الحوار، وتقديم الحلول الواقعية بدل الخطابات التصعيدية.
هذا الدور لم يكن إعلاميًا أو استعراضيًا، بل اتسم بالعمل خلف الكواليس، وهو ما عزّز ثقة أطراف متباينة في الرياض كعاصمة للحوار. وفي ظل عالم يشهد تراجعًا في الدبلوماسية التقليدية، أعادت السعودية الاعتبار لفكرة أن السلام يُبنى بالصبر والاتزان، لا بالضجيج.
حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، انتقال من الالتزام إلى الريادة
من أبرز ما ميّز هذه المرحلة هو التسارع الواضح في توجّه المملكة نحو تعزيز حماية الإنسان وحقوقه وكرامته، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. فقد بات ملف حقوق الإنسان جزءًا من الرؤية الشاملة للتنمية، لا بندًا منفصلًا أو استجابة ظرفية للضغوط.
داخليًا، انعكس هذا التوجّه في تطوير التشريعات، وتحسين بيئة العمل، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتمكين الفئات الأكثر احتياجًا، مع الاستثمار في التعليم والصحة وجودة الحياة. أما خارجيًا، فقد تجلّى في سياسة إنسانية نشطة، لا تميّز بين البشر على أساس الدين أو العرق أو الجغرافيا، وتضع الكرامة الإنسانية فوق أي اعتبارات سياسية.
العمل الإنساني، بصمة سعودية عالمية تتجاوز العناوين
خلال الفترة بين ديسمبر 2024 وديسمبر 2025، عززت السعودية مكانتها كإحدى الدول الأكثر حضورًا في العمل الإنساني العالمي. لم تقتصر المساعدات السعودية على الاستجابة للكوارث، بل شملت برامج دعم طويلة الأمد في مجالات الأمن الغذائي، الصحة، التعليم، وإعادة الإعمار.
اللافت في هذا الدور هو اتساع رقعته الجغرافية، حيث وصلت المساعدات السعودية إلى دول ومجتمعات في آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، في تأكيد عملي على أن البعد الإنساني في السياسة السعودية عالمي وليس انتقائيًا.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة مؤسفة، وهي أن الإعلام العربي والدولي مقصّر بشكل واضح في إبراز هذا الدور الإنساني السعودي، سواء بسبب الانشغال بالسرديات السلبية، أو الاكتفاء بالمعالجة السطحية، أو الخضوع لمنطق الانتقائية السياسية في التغطية.
الاقتصاد والتنمية، نمو يخدم الإنسان لا الأرقام فقط
اقتصاديًا، واصلت المملكة تنفيذ برامجها التنموية ضمن رؤية السعودية 2030، مع تسجيل تقدم ملموس في تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الابتكار، وتطوير القطاعات غير النفطية. غير أن ما يميّز هذه المرحلة هو التركيز على الإنسان بوصفه غاية التنمية لا مجرد أداة لها.
فالمشاريع الكبرى لم تُطرح كإنجازات عمرانية فقط، بل كمنصات لخلق فرص العمل، ونقل المعرفة، وتحقيق الاستدامة البيئية، ورفع جودة الحياة. وقد عكس ذلك نضجًا في إدارة التحوّل الاقتصادي، قائمًا على التوازن بين الطموح والواقعية.
البعد الاجتماعي، إصلاحات هادئة ترسّخ الاستقرار
اجتماعيًا، استمرت المملكة في مسار التحديث المتدرّج، مع الحفاظ على الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية. وشهد هذا العام توسعًا في مشاركة الشباب والمرأة في مختلف القطاعات، ليس كخطاب إعلامي، بل كواقع مؤسسي مدعوم بالقوانين والفرص.
كما تم الاستثمار في الثقافة، والرياضة، والترفيه، والتعليم، بما يعكس رؤية ولي العهد لمجتمع حيوي ومتوازن، يدرك أن الاستقرار الحقيقي يبدأ من الداخل.
السعودية كقوة توازن ومسؤولية دولية
في عالم يشهد تصاعد النزاعات وتراجع الثقة بين الدول، برزت السعودية خلال هذا العام كقوة توازن عقلانية، تجمع بين الحزم في حماية مصالحها، والانفتاح في بناء الشراكات. وقد نجحت في تقديم نموذج مختلف للدولة الإقليمية المؤثرة: دولة لا تبحث عن النفوذ عبر الصدام، بل عبر التنمية، والوساطة، والعمل الإنساني.
عام يؤكد المسار لا يختصره
من ديسمبر 2024 إلى ديسمبر 2025، لم تكن إنجازات المملكة العربية السعودية أحداثًا متفرقة، بل ملامح مسار استراتيجي واضح، يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويهدف إلى بناء دولة قوية، حديثة، وإنسانية في آن واحد.
إنها مرحلة تؤكد أن السعودية تسير بخطى سريعة نحو حماية الإنسان وحقوقه وكرامته، وتترك بصمة إنسانية ملموسة في مختلف أنحاء العالم، حتى وإن قصّر الإعلام في نقل هذه الصورة كاملة. ويبقى الرهان الحقيقي على المستقبل، حيث تتحول هذه الجهود إلى حقائق راسخة تُعيد تعريف الدور السعودي عالميًا، لا بوصفه قوة نفوذ فقط، بل قوة إنسانية مسؤولة.
في ختام هذا العرض، لا يسعني، بصفتي مغتربًا عربيًا، ومتابعًا دقيقًا للشأنين العربي والدولي، وصحفيًا ومدافعًا عن حقوق الإنسان، إلا أن أتوقف عند واجب أخلاقي وإنساني لا يمكن تجاوزه. واجب الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية، قيادةً وشعبًا، على ما تحقق من إنجازات إنسانية وأخلاقية وسياسية خلال هذه المرحلة المفصلية.
أتقدم بالشكر والتقدير إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وإلى سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، على الرؤية الواضحة، والإرادة الصلبة، والعمل الجاد الذي وضع الإنسان وكرامته في صلب السياسات، وجعل من المملكة نموذجًا متقدمًا في الجمع بين القوة والمسؤولية، وبين السيادة والإنسانية.
ولا يمكن فصل هذه الإنجازات عن الشعب السعودي العظيم، الذي أثبت، عبر العقود، قدرته على تجاوز التحديات، وصناعة التحوّلات، والمشاركة الفاعلة في بناء دولة حديثة تحافظ على قيمها، وتفتح أبوابها للمستقبل بثقة واتزان.
وأعترف هنا، بصدق إنساني لا يخجل منه صاحبه، أنني كثيرًا ما تمنيت لو كنت أحمل الجنسية السعودية، لشعرت بمزيد من السلام والأمان في زمن الاغتراب القاسي، غير أن ما أملكه اليوم هو شعور فخر حقيقي بشعب عربي استطاع أن يكسر الصور النمطية، ويتجاوز الأزمات، ويقدّم نموذجًا يستحق الاحترام على المستويين الإقليمي والدولي.
إن ما تحقق لم يكن سهلًا، ولا سريعًا، لكنه يؤكد أن الإرادة السياسية حين تقترن بالقيم الإنسانية، تصنع فرقًا حقيقيًا في حياة الشعوب. وهو مسار يستحق الإشادة، والتوثيق، والإنصاف الإعلامي، بعيدًا عن الانتقائية أو الأحكام المسبقة.