خاص بوابة بيروت

كاتبة وناشطة سياسية
بينما أحيا العالم حملة الـ16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف الرقمي ضد جميع النساء والفتيات، لم تكتفِ الشابات والفتيات في بيروت وصيدا بالمشاهدة أو التلقي، بل اخترن التعبير والمواجهة، محوّلات تجاربهن الرقمية إلى أعمال فنية بصرية تحمل رسائل وعي ومقاومة وشفاء.
من خلال مختبرات “استعيدي الشاشة – Reclaim the Screen” للفنون الرقمية، خاضت المشاركات نقاشات عميقة حول السلامة الرقمية مع منظمة FEMALE Fe-Male، وتأملن تجاربهن الشخصية على الفضاء الإلكتروني، ليُترجمنها إلى لوحات وأعمال رقمية تعبّر عن الألم، القوة، والحق في الوجود الآمن على الشاشات كما في الواقع.
هذه المبادرة، المدعومة من هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبالتعاون مع مؤسسة عامل الدولية وكاريتاس لبنان، وبدعم كريم من الحكومة الأسترالية، شكّلت نموذجًا حيًا لكيفية تحويل الفن إلى أداة مناصرة ووسيلة تمكين.
الفن هنا لم يكن ترفًا أو نشاطًا جانبيًا، بل مساحة اعتراف وشفاء جماعي، أعادت للنساء والفتيات ملكية أصواتهن في فضاء رقمي طالما كان مسرحًا للانتهاك، والتهديد، والتنمّر، والتشهير.
وبالتوازي مع هذا الحراك الإبداعي، جاء النقاش المؤسسي ليؤكد أن العنف الرقمي لم يعد قضية فردية أو افتراضية، بل امتداد مباشر للعنف القائم على النوع الاجتماعي. ففي ندوة “سلام آمن… وفضاءات رقمية خالية من العنف”، التي أقيمت في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت، برزت مقاربة تشاركية جمعت قوى الأمن الداخلي، والهيئات الرسمية، ومنظمات المجتمع المدني، والخبراء.
الندوة ناقشت خمسة محاور أساسية: العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، إنفاذ القانون وحقوق الإنسان، تمكين المرأة في الحوكمة والمشاركة السياسية، دور المناصرة الرقمية في تعزيز السلم الأهلي، والعلاقة بين التكنولوجيا وأجندة المرأة والسلام والأمن في سياقات النزاع وما بعده.
وقد أجمع المتحدثون على أن بناء فضاءات رقمية آمنة يتطلب تعاونًا مؤسساتيًا وتشريعيًا وأمنيًا متكاملًا، إلى جانب رفع وعي المجتمع بآليات الإبلاغ والحماية، وعدم التطبيع مع أي شكل من أشكال العنف الرقمي تحت مسمّى “حرية التعبير”.
وفي ختام الندوة، أُعلن عن إطلاق مبادرة وطنية جديدة بعنوان “شراكة من أجل تمكين النساء إلكترونيًا”، كمشروع مشترك بين الجهات الحكومية وغير الحكومية، يهدف إلى تمكين النساء وذوي الاحتياجات الخاصة، وتعزيز حقوقهن الرقمية والواقعية، ومكافحة العنف بأبعاده المختلفة.
ما يميّز هذه المرحلة أن القضية باتت مطروحة على كل المستويات: من الفن إلى السياسات، ومن التجربة الفردية إلى المسؤولية الوطنية. ومع تفاقم العنف الرقمي في السنوات الأخيرة، يصبح من الضروري التأكيد أن أجندة المرأة والسلام والأمن – القرار 1325 ليست نصًا نظريًا أو التزامًا موسميًا، بل خارطة طريق واضحة يجب تطبيقها بدقة، وبجميع أهدافها، دون تجزئة أو انتقائية.
نحو فضاءات رقمية آمنة، نحن أمام فرصة حقيقية لتحويل التحديات الرقمية إلى مساحات تمكين، ومشاركة فاعلة، وسلام اجتماعي مستدام. فالأمن الرقمي ليس امتيازًا، بل حق أساسي من حقوق الإنسان، يبدأ بالوعي، ويُترجم بالسياسات، ويُحمى بالتكامل بين الدولة والمجتمع.