بقلم بسام سنو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam

كاتب وناشط سياسي
يزور لبنان رئيس مجلس الوزراء في جمهورية مصر العربية، الدكتور مصطفى مدبولي، في زيارة رسمية تتجاوز أبعادها الإطار البروتوكولي التقليدي، لتلامس ملفات أمنية واقتصادية وجيوسياسية بالغة الحساسية، وذلك في مرحلة دقيقة تمرّ بها المنطقة بأسرها، وسط تحوّلات إقليمية متسارعة وإعادة رسم لخريطة المصالح في شرق المتوسط.
تنظر مصر إلى لبنان باعتباره شريكًا أساسيًا في معادلة شرق المتوسط، سواء في ما يتعلّق بملف الطاقة، أو في سياق الصراع المفتوح مع إسرائيل، فضلًا عن دوره كعنصر مؤثّر في ميزان التوازن الإقليمي. كما يشكّل لبنان، من وجهة النظر المصرية، جزءًا من هواجس المنافسة الاقتصادية المتصاعدة مع بعض دول الخليج العربي، لا سيّما في ظل التحديات التي تواجه قناة السويس، والتوسّع الإماراتي باتجاه سوريا عبر مشاريع ملاحية وتجارية قد تُعدّ منافسة مباشرة للقناة، بما يشكّل خطرًا حقيقيًا على أحد أعمدة الاقتصاد المصري.
إلى جانب ذلك، تحتلّ مسألة أمن الدول المجاورة أولوية قصوى في الاستراتيجية المصرية، وفي مقدّمها تطورات الوضع في غزة، لما لها من انعكاسات مباشرة على الأمن القومي المصري وعلى استقرار الإقليم ككل، وهو ما يدفع القاهرة إلى تعزيز حضورها الدبلوماسي والسياسي في محيطها العربي، ومن ضمنه الساحة اللبنانية.
وتبرز في المرحلة المقبلة تحديات إضافية تتعلّق بمستقبل التنقيب عن الغاز والنفط في شرق المتوسط، إضافة إلى النمو المحتمل للاقتصاد السوري، وما قد ينتج عنه من تحوّلات اقتصادية كبرى في حال التوصّل إلى اتفاق سلام شامل بين إسرائيل وكلٍّ من لبنان وسوريا، الأمر الذي من شأنه إعادة رسم خريطة المصالح الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة.
ولا يمكن إغفال الدور المصري التاريخي والحاضر في المجتمع اللبناني. فمصر شريك أساسي للبنان على المستوى العربي، وهي تتولى رئاسة جامعة الدول العربية، كما كان لها دور محوري في تأسيس ودعم جامعة بيروت العربية، إحدى أبرز الجامعات اللبنانية. يضاف إلى ذلك المستشفى الميداني المصري الذي قدّم، ولا يزال، خدمات طبية حيوية لآلاف اللبنانيين، فضلًا عن الدور العلمي والديني الذي يضطلع به الأزهر الشريف وفرعه في لبنان.
أما بيروت، فلها مع مصر علاقة تتجاوز حدود السياسة إلى عمق التاريخ والوجدان. فمنذ عصور الفراعنة والفينيقيين، مرورًا بالمرحلة الناصرية، حيث شكّل الرئيس جمال عبد الناصر رمزًا عروبيًا جامعًا، ارتبطت شريحة واسعة من اللبنانيين، ولا سيما أبناء التيار الناصري، بعلاقة وجدانية خاصة مع مصر، معتبرين إياها جزءًا لا يتجزأ من جذورهم وهويتهم السياسية والفكرية.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن مصر لم تكن يومًا مجرّد دولة شقيقة للبنان، بل كانت وستبقى سندًا تاريخيًا وشريكًا استراتيجيًا، في زمن تشتدّ فيه التحديات وتتعاظم فيه الحاجة إلى تضامن عربي حقيقي. كما تتطلع مصر إلى لبنان كشريك في إنعاش قطاعها السياحي، في ظل اعتبار الشعب اللبناني مصر متنفسًا سياحيًا وثقافيًا له، في علاقة تبادلية قائمة على المصالح المشتركة.
كذلك تولي القاهرة اهتمامًا خاصًا بالتصدير الزراعي اللبناني، لا سيّما الفواكه، فيما يحرص لبنان على تنظيم العلاقات التجارية الثنائية، خصوصًا من خلال تنسيق الروزنامة الزراعية بما يخدم مصالح البلدين ويعزّز التكامل الاقتصادي بينهما.
في المحصّلة، تشكّل العلاقات “المصرية – اللبنانية” نموذجًا لعلاقة عربية تاريخية قادرة، إذا ما أُحسن استثمارها، على مواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الراهنة، والانطلاق نحو شراكة أكثر توازنًا وفاعلية في مستقبل المنطقة.