بقلم سمير سكاف

كاتب وخبير في الشؤون الدولية
تواجه أوروبا تحديات أمنية واقتصادية في سياق التوتر مع روسيا، في إطار الحرب الروسية – الأوكرانية!
ولكن الطريق الأسلم لأوروبا هي العمل جدياً على تحقيق “السلام”، بدلاً من خوض مغامرات عسكرية غير محسوبة!
وعلى الرغم من التصعيد الكلامي لعدد من المسؤولين الأوروبيين، في حلف الناتو، أو في فرنسا وغيرها، فإن جنرالات أوروبا، والفرنسيين تحديداً اعتبروا، في مقابلات إعلامية عدة أن أوروبا غير قادرة على مواجهة روسيا عسكرياً! وأن جهوزية أوروبا العسكرية تحتاج الى 10 سنوات، إذا بدأ العمل عليها منذ الآن.
وعلى الرغم من أن دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أعضاء في حلف الناتو الذي يمتلك قوة تقليدية هائلة، إلا أن هناك عدة عوامل تجعل فكرة الدخول في حرب مباشرة ضد روسيا أمراً بالغ الصعوبة ومحفوفاً بالمخاطر!
وتتشابك هذه العوامل بين الجهوزية العسكرية والاعتبارات المالية والاقتصادية.
أولاً : تحدي الجهوزية وفقدان التوازن العسكري
على الرغم من القوة الإجمالية لحلف الناتو، تواجه الجيوش الأوروبية عدة تحديات في الجهوزية المباشرة للحرب:
1 – التركيز على القوات التقليدية
اعتمدت الدول الأوروبية، بعد انتهاء الحرب الباردة، على المظلة النووية الأمريكية وقللت من حجم قواتها البرية ومن مخزونها من الذخائر والمعدات.
وقد أظهرت الحرب في أوكرانيا أن الصراع الواسع النطاق يتطلب مخزونات ضخمة من الذخائر والدبابات والمدفعية، غير المتوفرة بالقدر الكافي عند الأوروبيين في الوقت الحالي.
2 – عامل الردع النووي الروسي
تمتلك روسيا قوة نووية استراتيجية هي الأكبر في العالم!
وتهدد روسيا باستخدامها في حال شعرت بالخطر الوجودي. وهذا الخطر يمثل خطاً أحمر يقيّد أي تفكير في مواجهة تقليدية مباشرة.
وقد قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً بتغيير عقيدة استعمال السلاح النووي الروسي في هذا الاتجاه. حتى ولو كان الاعتماد على القوة النووية الروسية يقابلها الاعتماد على الردع النووي الأمريكي والبريطاني والفرنسي.
3 – الحرب الهجينة
يمكن لروسيا أن تستغل نقاط الضعف الأوروبية من خلال الحرب بالهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية (شبكات الطاقة، الاتصالات)، وعمليات التجسس والتخريب داخل الدول الأوروبية.
وهو ما يتطلب نوعاً مختلفاً من الجهوزية الدفاعية يمتد إلى المجال المدني. وهي أمور غير متوفرة في دول الاتحاد الأوروبي بالحجم المناسب حالياً، بحسب المصادر العسكرية الفرنسية!
4 – الفجوة في القوات البرية
تتمتع روسيا بتفوق عددي في القوات البرية ب 950.000 جندي مقارنة بقوات الدول الأوروبية في الناتو (بما فيها بريطانيا) ب 750.000 جندي، خاصة مع استمرار روسيا في زيادة قوام قواتها.
كما أن سرعة انتشار القوات العسكرية على الجناح الشرقي للناتو ضعيفة جداً!
حيث قد يستغرق نقل القوات اللازمة للدفاع عن دول البلطيق أسابيع عدة.
وعلى سبيل المثال، كان الفرنسيون قادرين على نشر 75.000 جندي بري مجهز، خلال فترة قصيرة في مطلع السبعينات. أما اليوم فهم غير قادرين على نشر اكثر من 15.000 جندي في شرق أوروبا، وبعد 45 يوماً، بحسب جنرالاتهم!
5 – تراجع الوجود الأمريكي
تعمل الولايات المتحدة على تقليص وجودها العسكري في أوروبا، وعلى التركيز على محيطها الحيوي مع اهتمامات في الغرينلاند وفنزويلا وكولومبيا، والمكسيك…
مما يضع عبئاً أكبر على الأوروبيين لتمويل دفاعهم ولتطوير قدراتهم العسكرية المستقلة! وهو ما بدأ يحدث بالفعل بخطط لزيادة حجم الجيوش والتجنيد وتحديث الترسانات. ولكن كل ذلك يحتاج الى تمويل “مفقود”!
6 – السياسة الأميركية “المحايدة”
اعتبر وزير أميركي مؤخراً أنه في حال اندلاع أي حرب بين الأوروبيين وروسيا، فإن الولايات المتحدة ستقف على الحياد. ولكنها ستستمر ب… “بيع” الأسلحة للأوروبيين!
ثانيا : تحدي التمويل المالي والاقتصادي
تلعب الاعتبارات الاقتصادية، من دون أي شك، دوراً حاسماً في تجنب التصعيد إلى حرب مباشرة. وأبرزها:
1 – الكلفة الباهظة للحرب
إن خوض حرب تقليدية واسعة النطاق ضد دولة بحجم روسيا سيفرض تكاليف مالية ضخمة، وأعباء إضافية هائلة، على الاقتصادات الأوروبية التي تعاني الأمرين حالياً!
وإذا كان الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي أكبر بكثير، فإن تحويل الاقتصادات من (ما تبقى) من نمط الرفاهية إلى اقتصاد حرب هو عملية ضخمة ومكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً.
2 – تأثير العقوبات المتبادل
تعتمد روسيا بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، وقد أدت العقوبات الأوروبية إلى إضعاف الاقتصاد الروسي.
إلا أن أوروبا نفسها تأثرت بشكل كبير جداً من انقطاع إمدادات الغاز الروسي الرخيص، مما أدى إلى ارتفاعات هائلة ومرهقة جداً للاوروبيين في أسعار الطاقة والمعيشة.
إن أي تصعيد عسكري أوروبي مباشر سيؤدي بالتأكيد إلى شلل كامل للعلاقات الاقتصادية المتبادلة ونتائج كارثية على الاقتصاد العالمي.
3 – الانقسامات الداخلية حول التمويل
على الرغم من شبه الإجماع الاوروبي على دعم أوكرانيا، إلا أن هناك خلافات وصعوبات في تمويل المساعدات الإضافية أو تمويل الدفاع الأوروبي المشترك.
وبينها، على سبيل المثال، إشكالية استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل أوكرانيا. فهي تظهر حساسية القضايا المالية والاقتصادية بين الدول الأعضاء والمخاوف بشأن قدسية الملكية وتأثير ذلك على النظام الاقتصادي العالمي. وهو ما يجعل المصارف الدولية تعارض هذا الخيار!
4 – الضغط على الموازنات الوطنية
تسعى الدول الأوروبية حالياً لزيادة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير، وتتجه لتبني خطط لزيادة حجم الجيوش وشراء منظومات تسليح متقدمة (كـ F-35 والدبابات الحديثة)، وهذا يضع ضغوطاً إضافية على الموازنات العامة التي تواجه تحديات التضخم والديون ومطالب الرعاية الاجتماعية.