هل يمكن تبرئة #الدين من خطاب #الحقد؟

بقلم هشام بو ناصيف

حتى بالنسبة لمعتادٍ خطابَ الحقد بلبنان، جاء التشفي بضحايا “بوندي بيتش” بأستراليا الذي اجتاح مواقع التواصل بعد الهجوم الإرهابي عليهم صادمًا.

للتذكير: كلّ الذين قضوا على ذلك الشاطئ مدنيّون أستراليّون، منهم طفلة. هم يهود؟ نعم. كذلك هم آلاف العلماء والأدباء والفلاسفة الذين دفعوا البشريّة إلى الأمام بمختلف الميادين.

وكذلك كان مئات آلاف المواطنين بالدول العربيّة الذين لا تحفظ الذاكرة عنهم ما يحفز على رفضهم، قبل أن تدفعهم مآس كمجازر الفرهود بالعراق عام 1941، وتفجير مدرسة الأليانس اليهوديّة بلبنان عام 1950، والاضطهاد المنهجي لآلة القمع الناصريّة بمصر، لمغادرة مجتمعاتهم. هل ينبغي تحليل دم كلّ يهوديّ بالعالم، بسبب الحرب الدائرة حاليًّا بين حماس وملالي إيران، وإسرائيل؟

الجواب هو نعم، بحسب معلّقين شيعة بلبنان، كالوا الشتائم عبر مواقع التواصل لأحمد الأحمد، المهاجر المسلم الذي انتزع بندقيّة أحد الإرهابيّين، بعمل بطولي جعله عن جدارة محطّ إعجاب الملايين. ذهلتني الشتائم الموجّهة للأحمد، والتصفيق للإرهابيّين الاثنين اللذين ينتميان لـ “داعش” على ما رشح، علمًا أن “داعش” قتل شيعة أكثر ممّا قتل يهودًا، ومشاعره تجاه من يصفهم بـ “الروافض” معروفة.

لفتني كذلك، وأنا أقرأ التعليقات، الاستعمال الكثيف لآيات من القرآن، أو للحديث، لتبرير خطاب الكراهية، خصوصًا: “لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود”؛ وأيضًا: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر أو الشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد اللّه، هذا يهودي خلفي فاقتله”. أخطر ما بهذا الاستعمال هو أنه يجعل من أيّ طفل أو طفلة يهوديّة بالعالم هدفًا شرعيًّا للاستهداف، أو للكراهية.

ومنذ بات الإرهاب الأصولي جزءًا من المشهد العام بالعالم، هناك من يحاجج أن “الإسلام الحقيقي ليس هكذا”. المشكلة بهذا الدفاع عن الإسلام أنه جوهراني. لا يوجد ما هو “الإسلام الحقيقي” أو “المسيحيّة الحقيقيّة” أو حتى “الليبراليّة الحقيقيّة”. النصّ هو تفسيره. هذا صحيح بالنسبة للأديان كما بالنسبة للعقائد السياسيّة. المسلم الليبرالي يعتقد أن إسلامه هو “الحقيقي”، ولكن المسلم المنتمي إلى نحل متطرّفة كـ “حزب اللّه” أو “داعش” يظن الأمر عينه. لا فيصل حقيقيًّا بين الاثنين. هذا لجهة النصّ.

أمّا لجهة العودة إلى التاريخ، فمن يقرأ عن الإسلام الأوّل زمن محمّد، سيقع على حروب مع اليهود ومواجهات يمكن فهمها كمبرّر لصراع أبدي معهم، كما يمكن وضعها بإطارها الزمني وتركها فيه. لا يوجد “صحّ” و “غلط” هنا، ولا “فهم حقيقي” و “فهم غير حقيقي”.

كنت غارقًا بكتاب المؤرّخ الفرنسي جورج بنسوسان (Juifs en pays arabes: Le grand déracinement 1850-1975)

وقد عدت إليه على خلفيّة جوّ كراهية اليهود الصريح مؤخرًا، عندما انتشر فيديو طالبات طرابلس المتباهيات برفض الاحتفال مع “الكفّار” بعيد الميلاد. هنا أيضًا، انتشرت آيات قرآنيّة على مواقع التواصل تبرّئ الإسلام من كراهية المسيحيّين، لا سيّما: “لتجدنّ أقربهم مودّة للّذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى”.

هذه الآية تحضر دومًا بحفلات تبييض الوجه بين مكوّنات لبنان والمنطقة، وقد حصل ذلك مؤخرًا بزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى بطريركيّة الروم الأرثوذوكس بدمشق. المشكلة بهذا الاستعمال للآية أنه يقتطع منها ما يناسب، ويهمل الباقي. هذا نصّها الكامل: “لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للّذين آمنوا اليهود والّذين أشركوا ولتجدّن أقربهم مودّة للّذين آمنوا الّذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسّيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ممّا عرفوا من الحق يقولون ربّنا آمّنا فاكتبنا مع الشاهدين”.

المرجّح أن “أقربهم مودّة” تعني المسيحيّين الذين قبلوا دعوة محمّد فأسلموا.

المسيحي الجيّد هنا هو المسيحي السابق. ماذا عن المسيحيّين الآخرين؟ هل يمكن المحاججة أن: “لقد كفر الذين قالوا إن اللّه هو المسيح ابن مريم” و “لقد كفر الذين قالوا إن اللّه ثالث ثلاثة” تعبّر أكثر عمّا يختلج بصدر القرآن تجاههم؟ أطرح سؤالًا، ولا أعطي جوابًا، لأن المسألة مجدّدًا مسألة تفسير. ما قالته طالبات طرابلس بالفيديو ليس بالضرورة دقيقًا. ولكنه ليس بالضرورة غير دقيق.

اخترنا لك