خاص بوابة بيروت

كاتب وناشط سياسي
في بلدٍ يتصارع على وجوده السياسي، وتتشابك فيه مصالح الدول كما خيوط العنكبوت، تبرز قصص لا يمكن التعامل معها كحوادث عابرة. نحن أمام مشهد سياسي يتخبط بين من يسعى للهيمنة على مفاصل الدولة، بدءًا من البلديات والنيابة التي تقف على الأبواب، وصولًا إلى رئاسة الحكومة، في إطار صراع تغذّيه الطائفية وتغلفه المصالح.
في هذا البلد، لا تُدار السياسة بوصفها خدمة عامة، بل كسوق مفتوح يتصارع فيه رجال الأعمال على مشاريع تحقق أهدافهم الخاصة، دون أي اعتبار لمصالح الناس أو أولوياتهم. بلدٌ يرى فيه بعض الخصوم أن التقرب من السعودية قد يكون بطاقة عبور لمصالح شخصية، لا خيارًا سياديًا نابعًا من رؤية وطنية.
وسط هذا المشهد، يبرز اسم أبو عمر. اسمٌ يعيد إلى الذاكرة مشاهد من مسلسل صح النوم، وحاكم طولستان، وغوار ومقلبه الشهير الذي خدع الحارة بأكملها، فصنع منهم أسطورة قائمة على الوهم والخداع، وذهب ضحيتها “أبو كلبشة” الذي كان أنفه “لا يخطئ”، والذي شكّل نموذجًا فاضحًا للفساد المتغلغل في أرجاء الدولة.
لكن أبو عمر اليوم لم يعد مجرد قصة محتال تقليدي. القصة أصبحت أكثر خطورة: كيف استطاع هذا الرجل أن يلعب على كل سياسي يظن نفسه مخضرمًا في عالم السياسة، ومتمرّسًا في الغش والخداع؟
فالسياسة، في المفهوم اللبناني، لم تعد “فن الممكن”، بل أصبحت فنّ كيف يصبح كل شيء ممكنًا بأي وسيلة ممكنة. هي نسخة مشوّهة من المكيافيلية السياسية، حيث الغاية تبرر الوسيلة. غير أن أذكى اللاعبين جاء ليقلب المعادلة، وقال بطريقته الخاصة: أنت لست شريكًا… أنت وسيلتي للربح السريع.
اليوم، نرى أن كل من كان هدفًا للاحتيال ينكر ما حصل معه، ويبتلع “الموس” بصمت، خوفًا من أن يُسحب إلى تحقيق يشبه الخبال، ويكشفه أمام ناخبيه كشخص فقد كرامته السياسية في زمن شحّ فيه الرجال وقلّ فيه الدين.
والأنكى من ذلك، أن رجل دين مرموق، له موقعه ومكانته في دار الفتوى، أصبح بدوره هدفًا في هذه القصة، وتحوّل اسمه إلى مادة متداولة على كل لسان بوصفه داعمًا أساسيًا لهذا المسار، ما يطرح أسئلة أخلاقية خطيرة حول تداخل الدين باللعبة السياسية القذرة.
اليوم، نحن أمام لحظة يجب فيها أخذ العِبر، لا الغرق أكثر في هذا الواقع المرير.
فهل سيفهم الشعب أن من اشترى وعدًا من “أبو عمر”، قد باع في المقابل كل ناخبيه من البشر؟
وهل يدرك أن الصمت ليس حيادًا، بل شراكة في الانحدار؟
يبقى الأمر في نهاية المطاف بيد القضاء، وحده القادر على تأكيد الحقيقة أو نفيها، ووضع حدٍ لمسلسل العبث الذي بات يهدد ما تبقى من ثقة الناس بدولتهم ومؤسساتها.