“الفجوة المالية” فجوة في التشريع

بقلم سعيد مالك

نصّت المادة 18 من الدستور اللبناني، على أنه لمجلس النواب ومجلس الوزراء حق اقتراح القوانين. ولا يُنشَر قانون ما لم يقرّه مجلس النواب أصولًا.

ومشروع القانون يمُرّ بمسار، يبدأ بالوزير المعنيّ، الذي يُحضر اقتراح مشروع القانون بعد أن يُشبعه درسًا وتمحيصًا، ويرفعه إلى مجلس الوزراء عبر الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لإدراجه على جدول أعمال جلسة حكومية لمناقشته والتصويت عليه إيجابًا أم سلبًا.

لكن ما نَلحظه في الآونة الأخيرة، أن العديد من مشاريع القوانين تحُطّ رِحالها على طاولة مجلس الوزراء، دون أن تكون قد أُشبِعَت درسًا وتمحيصًا، ويتبدّى للمُراقب أنها قد أُسقِطَت على طاولة المجلس، تنفيذًا لتوجيهات أو التزامات محلّية أم دولية، لا علاقة لها بمصلحة الوطن والمواطن.

ومِن آخر هذه البِدَع، مشروع قانون الفجوة المالية الذي شكّل طرحه بهذه الطريقة فجوة في التشريع. وعوض أن يأتي التشريع تلبيةً لمصالح الناس والاقتصاد والقطاعات، يأتي هذا القانون تلبيةً لأجندات ومطالب دولية وصناديق نقد أجنبيّة.

وبمُجرّد الاطّلاع على مشروع القانون المذكور يتبيّن جليًّا، أن هذا المشروع لا يؤدّي إلى ردّ ودائع المودعين بالمفعول الفعلي للكلمة. قسّم المودعين إلى شرائح. منهم مَن خصّصهم باستعادة كامل ودائعهم بمدى زمني يمتدّ إلى أربع سنوات، علمًا أن تعاميم مصرف لبنان السارية اليوم تؤدّي هذا الغرض. ومَن كان رصيده يفوق المئة ألف دولار أميركي خصّص لهم شهادات بعيدة الأجَل تستحق بعد عشرات مِن الأعوام، مع حق مصرف لبنان بإعادة الجدولة لها بعد موافقة الحكومة، تِبعًا للمتوافر. ومنهم مَن…، ومنهم مَن… . بالتالي، لم يُعامِل المودعين بالتساوي. ما يؤكّد أن هذا المشروع بصيغته المطروحة لا يؤدّي إلى ردّ الودائع بالمفعول الحقيقي للكلمة. ما يفرض إعادة درس هذا المشروع برمّته، عوض إقراره بصورة مشوّهة ومعتورة.

إضافةً إلى ذلك، هذا المشروع المقترح لا يُعيد الثقة إلى القطاع المالي والمصرفي. فلا اقتصاد سليمًا دون قطاع مالي سليم ومتعافٍ. ولا اقتصاد سليمًا دون قطاع مصرفي قادر وموثوق.

إضافةً إلى كامل ما تقدّم، فإن هذا المشروع لا يتضمّن أيّة أرقام واضحة، ولا يُحدّد المسؤوليات. ولا يُرتب التبعات بصورة عادلة بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف.

فمشروع القانون لا يذكُر أيّة أرقام واضحة للودائع المتوجّبة مِن جهة، ولا مُقتنيات المصارف من هذه الودائع. والأهّم مِن كلّ ذلك لا يُحدّد المسؤوليات وما وصلنا إليه مِن انهيار مالي واقتصادي، تتحمّل الدولة جزءًا منه، كذلك المصرف المركزي، وأيضًا المصارف، لكن بِنِسَبٍ متفاوتة ومدروسة. فأين حدّد مشروع القانون المسؤوليات؟ وكيف رتب التبعات؟ كلّ ذلك، يدفعنا إلى التأكيد أن هذا المشروع يعتريه كم هائل من الشوائب والثغرات، بحيث يقتضي إعادة درسه مُجدّدًا مِن قِبل لجان مُتخصّصة.

والمؤسِف ما يتداوله بعض الوزراء في مجالسهم، بإلقاء كرة نار إقرار هذا المشروع في ساحة النجمة. للتهرُّب مِن المسؤولية، وجعل إقرار القانون من مسؤولية مجلس النواب مُنفردًا.

بالخُلاصة، مِن الثابت أن مشروع قانون الحكومة المتعلّق بقانون الفجوة المالية لم يأتِ في مكانه، حيث كان من المفترض أن يُشبَع درسًا وتمحيصًا مِن أهل الاختصاص والوزارة المعنيّة.

وبالتالي، إقراره بالصيغة المعروضة على مجلس الوزراء، سيُشكّل انتكاسة فاضحة للاقتصاد والقطاع المالي والمصرفي. ومَن قال إن المصارف بإمكانها الإيفاء بالتزاماتها المُبيّنة والمفروضة عليها في نصّ المشروع؟؟؟.

كُلّ ذلك لنقول، إن التشريع لا يحصل تلبيةً لحاجةٍ أم مطلب، إنما استجابةً للمصلحة العامة، حيث المصلحة الوطنية تعلو فوق كلّ اعتبار.

اخترنا لك