بقلم بسام سنو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam
يغرق لبنان اليوم في دوامة خطيرة من الانهيار السياسي والاقتصادي، عالقًا بين سطوة السلاح الخارج عن منطق الدولة، وبقايا أنظمة لم تعرف يومًا معنى السيادة ولا بناء الأوطان. وطنٌ يُستنزف من طاقاته، وتُهاجر شبابه، ويُترك شعبه وحيدًا في مواجهة واقع مرير لم يصنعه، لكنه يدفع ثمنه يوميًا.
إن ما يعيشه اللبنانيون اليوم لم يعد مجرد أزمة عابرة، بل هو نتيجة تراكم طويل من الفشل وسوء الإدارة وارتهان القرار الوطني للأحزاب والمحاور الإقليمية. من هنا، يصبح التغيير ضرورة وجودية لا خيارًا سياسيًا.
لبنان اليوم يحتاج إلى انتخابات برلمانية جديدة، انتخابات حقيقية وشفافة تُعيد إنتاج السلطة على أسس وطنية، وتأتي بأشخاص همّهم بناء الدولة لا حماية مصالحهم، أشخاص يؤمنون بأن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، لا ساحة لتصفية الحسابات ولا ورقة تفاوض في صراعات الآخرين.
كما أن لبنان بحاجة إلى حكومة تمتلك قرارًا قويًا وصلبًا، حكومة لا تُدار بالتسويات الهشة ولا بالمحاصصة، بل برؤية واضحة وإرادة إصلاحية شجاعة، قادرة على مواجهة الواقع المرير واتخاذ قرارات صعبة لكنها ضرورية لإنقاذ ما تبقى من الدولة.
ولا يمكن لأي إصلاح أن ينجح من دون قضاء نزيه ومستقل. لبنان بحاجة ماسة إلى تحرير القضاء من التبعية الحزبية، واستبدال القضاة المحسوبين على القوى السياسية بقضاة شرفاء، لا يخضعون إلا للقانون وضميرهم. فالقضاء العادل هو حجر الأساس لبناء الثقة، ومحاسبة الفاسدين، وحماية حقوق المواطنين.
وعلى الصعيد الاقتصادي، لم يعد مقبولًا الاستمرار بالسياسات نفسها التي أوصلتنا إلى الانهيار. لبنان بحاجة إلى رؤية اقتصادية جديدة، واقعية وعادلة، تراعي الوجع الاجتماعي وحجم الكارثة المعيشية، وتعمل على تغيير الوضع الاقتصادي من جذوره، لا الاكتفاء بإدارة الأزمة.
كما يحتاج لبنان إلى برامج اقتصادية ومالية وأمنية وإنمائية حديثة، برامج تُصاغ بعقل الدولة والمؤسسات، وتواكب تطورات العالم، وتضع الإنسان اللبناني في صلب الاهتمام، من خلال خلق فرص عمل، وتأمين الاستقرار، وإعادة تحريك عجلة الإنتاج.
إلى جانب ذلك، لبنان يحتاج إلى رؤية واضحة تميّزه عن جيرانه، وتمنحه فرصة حقيقية في ظل صراع اقتصادي إقليمي ودولي مخيف. فلبنان، رغم صغر مساحته، يملك قدرات بشرية هائلة، وطاقات إبداعية قادرة على صنع الفارق إذا أُحسن استثمارها.
لبنان هو بلد الجمال والعقول، بلد استطاع أن ينجح ويتميّز في مجالات عديدة مثل الموضة، والطب، والسياحة غير التقليدية، وصناعة المجوهرات، والمنتجات الغذائية المميزة كـ الأجبان والنبيذ، إضافة إلى الصناعات الطبية والتجميلية. كما حقق نجاحات لافتة في الطب والتعليم، وطوّر مهارات عالية في الإدارة وريادة الأعمال، يشهد لها العالم.
لكن لبنان لا يستطيع أن ينافس أو ينهض ما دام يُدار بعقلية ضبابية، ومن دون رؤية واضحة المعالم، ومن دون قيادة تعرف ماذا تريد وإلى أين تأخذ البلد.
لبنان قادر على إنقاذ نفسه، وقادر على النهوض من جديد، إذا أحسنّا الاختيار، وإذا قررنا أن نضع ثقتنا في خيرة الناجحين والكفوئين لإدارة الوطن، لا في من اعتادوا الفشل وأتقنوا تدمير الدولة.
الفرصة لا تزال موجودة، لكن الوقت يضيق، والمسؤولية تقع علينا جميعًا. فإما دولة حقيقية، وإما استمرار في الغرق.