كيف نعيد الثقة بالاقتصاد اللبناني؟

خاص بوابة بيروت

لم تعد أزمة الدولة اليوم أزمة قطاع واحد أو مؤسسة بعينها، بل أصبحت أزمة ثقة شاملة. وعندما نتحدث عن إعادة الثقة، فإننا لا نعني فقط إعادة الثقة بالمصارف، بل إعادة الثقة بكل مؤسسات الدولة، من الإدارة العامة إلى المرافق الحيوية، ومن السياسات الاقتصادية إلى دور الحكومة نفسها.

إعادة هذه الثقة لا يمكن أن تتحقق بالأساليب التقليدية أو بالحلول الترقيعية، بل تتطلب علاجًا من نوع آخر، علاجًا جذريًا يعترف أولًا بأن النموذج الحالي قد استنفد دوره.

الدمج ثم الشراء: مدخل لإصلاح القطاع المصرفي

أولى خطوات العلاج تكمن في ما يُعرف بسياسة الدمج ثم الشراء. فبدل الإبقاء على مصارف عاجزة، يمكن العمل على دمجها ومن ثم فتح الباب أمام مصارف دولية ناجحة لشرائها. هذه المصارف تمتلك الخبرة والقدرة على إعادة الهيكلة، والأهم أنها قادرة على إعادة بناء الثقة بين المصرف والمودِع، وهي الثقة التي تشكل العمود الفقري لأي نظام مالي سليم.

شراكة حقيقية مع القطاع الخاص

من جهة أخرى، لا بد من إعادة ابتكار طرق إدارة الدولة عبر إشراك القطاع الخاص، لكن ليس عبر شركات حصرية أو مؤسسات مرتهنة لهذا الطرف أو ذاك، بل عبر مؤسسات عالمية أثبتت نجاحها في إدارة المرافق العامة بكفاءة وشفافية.

وتجارب مثل إدارة مرفأ بيروت الجديدة أو كهرباء زحلة تشكل أمثلة واضحة على أن الإدارة السليمة قادرة على تأمين خدمات مستدامة وفعالة، بعيدًا عن الهدر والفوضى.

نهاية الدور التقليدي للقطاع العام

الحقيقة التي يجب الاعتراف بها اليوم هي أن الدور التقليدي للقطاع العام قد انتهى. في المقابل، يمتلك القطاع الخاص القدرة على تحويل المرافق العامة إلى مرافق منتجة، بكلفة أقل على الدولة، وبكلفة أقل على المواطن، شرط وجود رقابة جدية وشفافة.

عندها يصبح دور الدولة إشرافيًا وتنظيميًا من حيث مراقبة الجودة، ضبط الأسعار، وضع المعايير وحماية المنافسة.

ولا يجب حصر أي قطاع بشركة واحدة أو شركتين، بل فتح المجال أمام المنافسة الحقيقية، لأنها الطريق الأسرع لتحسين الخدمة وخفض الكلفة.

دور الحكومة: إعادة الهيكلة لا إدارة التفاصيل

دور الحكومة اليوم ليس إدارة التفاصيل اليومية، بل إعادة هيكلة الدولة، وتشجيع الاستثمارات، وابتكار حلول خارج الصندوق، كي لا يبقى المواطن رهينة الصراعات الطائفية والسياسية.

كما تستطيع الدولة أن تعيد النظر في أولوياتها، فتضع الحكومة الإلكترونية في الصدارة، وتسرّع عمليات التخصيص، وتؤمّن الخدمات الأساسية، فتُخرج نفسها من مستنقع التجاذبات السياسية، وتستعيد دورها كدولة خدمات لا دولة محاصصات.

من أجل المواطن والشباب

الهدف النهائي لكل ذلك هو تأمين فرص عمل، وضمان حياة كريمة للمواطن في وطن هاجر شبابه، واختفت فيه الفرص، وتآكل فيه الأمل.

السؤال الأصعب اليوم، هل الدولة رهينة الأحزاب… ؟

والسؤال الجوهري هو، هل تستطيع هذه الأحزاب أن تطوّر نفسها لتواكب تغيّرات المنطقة، وأن تشرّع القوانين والمشاريع اللازمة لإعادة الثقة بالدولة…؟

إعادة الثقة ليست شعارًا، بل قرارًا سياسيًا شجاعًا، ومسارًا إصلاحيًا طويلًا، إما أن يُسلك بوضوح… أو يبقى الوطن عالقًا في حلقة الانهيار!

اخترنا لك