بقلم أحمد عياش
نستعير تقليد “رجل العام” لكي نسقطه على الرئيس نبيه بري. وعندما نجتاز منتصف ليل الأربعاء المقبل يكون رجل العام قد أمضى 34 عامًا رئيسًا للبرلمان، وهذا ربما رقم قياسي في لبنان وخارجه في عالم تداول السلطة.
لكن بدءًا من العام 2026 يدخل بري مرحلة الخروج من السلطة لأسباب لا علاقة لها بقدرته على الاستمرار في تحمل مسؤوليات هذا المنصب، بل تتصل بالانتخابات النيابية المقبلة التي ستضع حدًا لمرحلة أتت بزعيم حركة “أمل” الى الرئاسة الثانية فبقي متربعًا فوقها، فيما مضى الى غير رجعة صانع المرحلة، أي نظام الأسد بالتكافل والتضامن مع نظام خامنئي الذي أصبح ورقة آيلة الى السقوط في أي لحظة في إيران.
يدور همسًا في مجالس مغلقة أن بري يتطلع الى تمديد ولاية البرلمان الحالي لعامين كي تكون الفرصة الأخيرة له ليمضي بعدها “أبو مصطفى” الى التقاعد. ولا يبدو أن اقتراح التمديد قد سلك طريقه بعد لاعتبارات شتى أهمها، أن اقتراح التمديد له صفة “أبغض الحلال”، كالطلاق عند المسلمين. لكن من يجرؤ الآن على طرح هذا الاقتراح “البغيض” وسط التباري في الدعوة الى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها؟
لن يكون بري وحيدًا في التطلع الى تمديد ولآخر مرة في عمر البرلمان الحالي. ولكن سيتبيّن لاحقا أن هناك اجماعًا في الوقت الراهن على هذه الرغبة داخليًا وخارجيًا على حد سواء. ويكفي هنا إيراد طرفَين هما على طرفيّ نقيض في كل شيء إلا في موضوع استمرار بري وسيطًا بينهما وهما :الولايات المتحدة الأميركية و”حزب الله”.
بالنسبة الى واشنطن، فهي ترى في بري الرجل الوحيد تقريبًا في الطائفة الشيعية الذي يمكن التعامل معه في كل ما له صلة بهذه الطائفة، الى حد أنها تجد فيه الرسول الأمثل الى الحزب ومن ورائه ايران. كما تجد في بري رجل التسويات في أدق الظروف كما حصل في موضوع المفاوضات الذي انطلق اليه رئيس الجمهورية جوزاف عون عبر اللجنة الخماسية بتعيين السفير كرم رئيسًا للوفد اللبناني الى اللجنة. فكانت مؤازرة رئيس البرلمان هي السند الأساسي لرئيس الجمهورية. وكما حصل أيضًا في موضوع مشروع قانون الفجوة المالية الذي اندفع اليه رئيس مجلس الوزراء نواف سلام وبإسناد من بري عبر وزير المال ياسين جابر الذي كان حجر الأساس لاندفاعة سلام.
أما بالنسبة لـ”حزب الله”، فهو يرى في بري الجسر الوحيد للتواصل مع الأعداء الذين يتربّصون به من كل حدب وصوب، وهو يكفيه أنه حاليًا في مرمى الاستهداف الإسرائيلي الذي يريد أن يصل الى وقت يجعل الحزب يختفي من لبنان كليًا.
مرّ زمن طويل منذ نهاية الثمانينات في القرن الماضي عندما خاض “حزب الله” وحركة “أمل” صراعًا دمويًا لا سابق له في الطائفة الشيعية. لكن “حرب الاخوة” انقلبت، باتفاق الأسد وخامنئي، الى “قسمة مغانم” ما زالت حتى اليوم قائمة على أساس أن يكون للحزب قرار السلاح ولبري قرار السلطة. لكن هذه القسمة باتت في مرحلة لفظ الانفاس مع اقتراب موعد نزع السلاح، وكذلك اقتراب موعد التغيير السياسي في الطائفة.
في هذا السياق، يتمتع بري بحظ “يفلق الصخر” كما يقال. فقد كان “حزب الله” لأعوام خلت في زمن السيد حسن نصرالله قد شكلّ لجنة تتولى التحضير لوراثة بري “بعد عمر طويل”. لكن عمر نصرالله انقضى قبل ذلك وتغيّر كل شيء.
يعلم “حزب الله” علم اليقين أن وصول “قوات الرضوان” الى القدس هو أسهل من وصول من يمثله الى رئاسة مجلس النواب إذا ما شغر المنصب ولم يعد واردًا أن يعود بري اليه.
ويعلم كثيرون أن رئيسًا جديدًا للبرلمان يجب أن يأتي بعد انتخابات نيابية تهدم جدار نتائج آخر انتخابات جرت عام 2022 ومنعت أيًا من منافسي ثنائي “أمل” و”حزب الله” من الفوز بأي مقعد شيعي خارجهما. ويتردّد أن هناك رغبة أميركية أن يأتي التغيير من خلال حركة “أمل” نفسها، فتصل شخصية تحمل صفة الانفتاح على الغرب عبر لوائح الحركة كي تتبوأ رئاسة البرلمان خلفًا لبري، الأمر الذي يسهل العبور من الزمن السوري – الإيراني الى الزمن الأميركي من دون مواربة.
من أجل كل ما سبق، يبدو التمديد للبرلمان الحالي هو فرصة للهبوط الآمن للتغيير الشيعي. وسيسعد كثيرون من أعضاء البرلمان الحالي، ممن ينتظرون الخسارة في الانتخابات إذا ما جرت في موعدها، أن يتحقق التمديد.
لا تبدو فكرة التمديد لبرلمان 2022 في آخر أيام عام 2025 تمتلك نفوذا. فلننتظر العام الآتي بعد أيام. وسيكون في أي حال، العام الأخير لرجل العام الراحل الذي يستحق هذا اللقب فيكون آخر من بقي من مرحلة على وشك الرحيل.