بقلم بسام سنو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam

كاتب وناشط سياسي
ليس سؤالًا عاديًا، بل سؤال واقعي يفرض نفسه بقسوة على مجتمعات عاشت سنوات طويلة تحت هيمنة من اعتقد أنه الدولة، وأن مؤسساتها، من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة، ومن البرلمان إلى القضاء والامن، ليست سوى أدوات في جيبه، تُستعمل متى شاء وتُعطَّل متى شاء.
كل من عارضه كان مصيره الإقصاء أو الإنهاء، وكل من وافقه كان شريكًا مؤقتًا في لعبة الطاعة.
القرار لم يكن يومًا بيد الدولة، بل بيد من يملك السلاح والقوة. كانت الأدوار موزعة، لكن الكلمة الفصل كانت واحدة، والسلاح هو الحَكَم.
ثم فجأة، تغيّر المشهد. جاء القرار الدولي، وجاء من ينفّذه. قوةٌ بدت للبنانيين هائلة، لكنها في ميزان الدول الكبرى لم تكن سوى وهم. فمصدر السلاح يعرف جيدًا كيف يحاصره، وكيف يحوّله في لحظة إلى بيت عنكبوت: ضخم في الظاهر، هشّ في الجوهر.
اليوم، المشهد واضح، الولايات المتحدة هي الناطق السياسي الأول في المنطقة، وإسرائيل هي المنفّذ العسكري. تغيّر النظام في واشنطن، فجاء القرار، لا سلاح في لبنان إلا سلاح الدولة، ولا قوة إلا قوة الجيش اللبناني.
نُفّذ القرار، وسلاح الحزب أصبح بلا فاعلية خارج الداخل اللبناني. لم يعد مصدر ردع، بل وسيلة استقواء على مجتمع لم يعد يرى فيه قوة حقيقية. هُزم الحزب هزيمة قاسية، حتى بات أفراده يخشون التنقل أو السكن بين الناس، خوفًا من طائرات تلاحقهم بلا إنذار.
في المقابل، بدأت الدولة تستعيد أنفاسها. قرارات كانت مؤجلة، تعيينات كانت مرهونة، أبواب كانت مغلقة… فُتحت. أصبح الانتماء الحزبي عائقًا لا جواز مرور، ومن كان يُفرض على الدولة عاد إلى منزله بلا امتياز.
وهنا يطرح السؤال الجوهري، كيف نقنع من خسر الحرب أنه خسر؟ كيف نُعيد من عاش فوق القانون إلى احترامه؟ كيف نطلب من من اعتبر نفسه أسمى من المواطنة أن يقبل أن يكون مواطنًا عاديًا، له ما لغيره وعليه ما عليهم؟
المشكلة أعمق من هزيمة عسكرية. إنها هزيمة فكرية لم يُعترف بها. جيلٌ تربّى على أن الوطن ملك له، وأنه “أشرف الناس”، وأن الآخرين أقل شأنًا. جيلٌ تعلّم في مدارس تُغذّي فكرة الاصطفاء، لا الشراكة، وتزرع مفهوم الشهادة بدل مفهوم الحياة، والواجب الحزبي بدل الواجب الوطني.
إعادة بناء المواطنة ليست قرارًا إداريًا، بل معركة طويلة تحتاج إلى تغيير في المناهج، في الخطاب الديني، في التربية، وفي تعريف الدولة نفسها. المواطنة ليست شعارًا، بل ثقافة تُدرَّس، وتُمارَس، وتُحمى بالقانون.
لكن المعضلة الكبرى أن الاعتراف بالهزيمة لم يحصل بعد، والنهج ما زال نفسه.
فكيف نغيّر المعادلة، وهناك من يفضّل أن يموت شعبه كل يوم، على أن يعترف بأن زمنه انتهى؟
هذا السؤال لا يملك جوابًا سهلًا، لكنه يفرض حقيقة واحدة، لا دولة تُبنى بلا مواطنين متساوين، ولا مواطنة مع سلاح خارج الشرعية، ولا مستقبل لمن يرفض التغيير مهما كان الثمن.