بقلم بسام سنو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam

كاتب وناشط سياسي
مع اقتراب نهاية هذا العام، وبعد الاجتماع الذي جمع دونالد ترمب وبنيامين نتنياهو، والذي خرج بما يشبه الضوء الأخضر، بدأت ملامح مرحلة جديدة تتكشّف بوضوح. واقعٌ قاسٍ كانت شعوب المنطقة تخشاه منذ زمن، يبدو اليوم أقرب إلى التحقّق، حيث لم تعد التحوّلات المقبلة محدودة أو مرحلية، بل آخذة بالاتساع من الفرات إلى النيل، وربما إلى الخليجين الفارسي والعربي، في مشهد يعكس صراعًا واسعًا يقترب في معناه من حرب عالمية شاملة، وإن اختلفت أدواتها وأشكالها.
نحن أمام مرحلة مفصلية، تتراجع فيها أنظمة، وتُصاغ تحالفات جديدة بسرعة لافتة، تحالفات غامضة النتائج، وغير مضمونة المسار. المنطقة تعيش حالة غليان، بينما يعاني العالم العربي من انقسامات عميقة وتفكك سياسي واجتماعي ونفسي غير مسبوق. وفي ظل هذا المشهد، يبدو الرابح واضحًا، كما يبدو الخاسر أيضًا؛ إذ تتعاظم مكاسب إسرائيل والولايات المتحدة، فيما تدفع شعوب المنطقة الثمن الأكبر، كما في كل مرحلة صراع.
الخوف اليوم لم يعد شعورًا عابرًا، بل أصبح جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية، خوف على الذات، وعلى البيئة، وعلى المستقبل. مجتمعاتنا المتنوّعة، بتعدّد طوائفها ومذاهبها ومعتقداتها، تعيش حالة قلق دائم، بين من يرى الصراع معركة وجود، ومن يراه صراع نفوذ، وفي خضم هذا التناقض تضيع الحقيقة وتُستنزف الطاقات.
في المقابل، يتّجه العالم بثبات نحو نظام دولي جديد. فموازين القوى لم تعد كما كانت بعد أكثر من قرن على وعد بلفور. أوروبا فقدت دورها كقوة مستقلة، وأصبحت إلى حدّ بعيد أسيرة القرار الأميركي. أما روسيا، فرغم حضورها العسكري، إلا أنّ قدرتها على فرض معادلات كبرى تبقى مرتبطة بالدعم الصيني أو بتحالفاتها. الصين من جهتها تواصل صعودها بهدوء، مركّزة على الاقتصاد والتكنولوجيا باعتبارهما أدوات النفوذ الحقيقية في هذا العصر.
الولايات المتحدة تعيش قلقًا متزايدًا من تسارع التقدّم الصيني، وتسعى في الوقت نفسه للحفاظ على موقعها كقوة أولى في العالم. ضغوطها الداخلية تدفعها لإعادة ترتيب أولوياتها، والتخلّص من الأعباء التي تراها عائقًا أمام تقدّمها، ولو كان ذلك على حساب القيم أو استقرار الآخرين.
وعند النظر بتمعن ، نرى ملامح ما يُسمّى «الشرق الأوسط الجديد» . ليبيا منقسمة بتدخل تركي، السودان غارق في حرب امراتية تهدّد وحدته، اليمن يسير نحو تكريس الانقسام بين الامارات والسعودية ، وسوريا لا تزال عرضة لمحاولات التفتيت بأشكال مختلفة وخاصة بين مناطق ذو اقلية تطالب بالفدرالية . ولا يقلّ المشهد خطورة في الصومال، حيث يترسّخ الانقسام بعد تدخل اسرائيلي لتغيير الواقع الفلسطيني ، وسط تطورات تحمل أبعادًا استراتيجية خطيرة، خاصة على أمن الخليج.
الأخطر من كل ذلك، إذا لم تدرك النخب السياسية والفكرية أنّ ما يحدث ليس أزمات منفصلة، بل مشروع تفكيك متكامل، تصبّ نتائجه في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى.
عام ٢٠٢٦ قد لا يكون عامًا عاديًا، بل محطة مفصلية تُعاد فيها رسم التوازنات، وتُختبر فيها قدرة الشعوب على الصمود، وقدرة الأنظمة على الاستمرار. إنه عام التحدّيات الكبرى… والمفاجآت التي قد تعيد تشكيل وجه المنطقة والعالم لسنوات طويلة قادمة.