بقلم رفيق خوري
مفاوضات الناقورة تدور تحت النار حتى على مقربة منها، وتدار بالسياسة من العواصم المعنية، من بيروت وتل أبيب إلى باريس وواشنطن. ولا حاجة إلى تذكير من يريد أن ينسى أنها حلقة في سلسلة طويلة لها تاريخ في الناقورة وخارجها منذ “اتفاق الهدنة” عام 1949 وبقية المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين ضباط فقط أو بين ضباط ودبلوماسيين أو بين دبلوماسيين فقط.
وهي، في أية حال، معركة دقيقة وصعبة تحتاج إدارتها إلى ما هو أبعد من قوة المنطق ومن منطق القوة وما يقترب من قوة المصالح. معركة لا بد منها بعد أية حرب رابحة أو خاسرة، وسط أي صراع قديم أو جديد. ولا ضمان للنجاح فيها.
لكن رفض الممانعة لها، وبالذات بعدما ضم رئيس الجمهورية جوزف عون بالتفاهم مع رئيس المجلس نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام السفير السابق سيمون كرة إليها وتسميته رئيسًا للوفد اللبناني، هو تعبير عن الخوف من التوصل إلى تسوية، إن لم يكن رهانًا على الفشل.
لماذا؟ لأن نجاح مشروع الدولة الوطنية يفرض سحب كل سلاح خارج الشرعية، وشروط العرب والغرب حول الاستثمارات والازدهار وإعادة الإعمار هي سحب سلاح “حزب الله”، والتسوية تسد الطريق على أي تحرك تحت عنوان المقاومة.
فماذا تفعل “المقاومة الإسلامية” التي ترفض تسليم السلاح للجيش وتؤكد أنها تتسلح من جديد لقتال العدو على الرغم مما أصابها في هزيمة تسميها نصرًا؟ تبدأ بتأويل خاص لاتفاق “وقف الأعمال العدائية” من دون اعتبار للنص الواضح في الاتفاق. وتسلط الضوء على ما تسميه “مشروع المقاومة الإسلامية”.
وهو بالطبع ليس مشروع تحرير الأرض من الاحتلال ثم تسليم السلاح وإنهاء التنظيم العسكري كما تفعل المقاومة الوطنية في أي بلد، بل مشروع “لبنان آخر” في إطار مشروع أكبر تحت عنوان ولاية الفقيه. ومعنى هذا أن قتال إسرائيل هو مجرد ورقة في كتاب ضخم هو مشروع المقاومة الإسلامية.
ومشكلة هذا المشروع أنه يعمل على تمايز بيئته عن بقية اللبنانيين الرافضين له، وما عاد، ولعله ما كان، يمكن فرضه بالقوة. لا بل أن مشروع الدولة الوطنية بدأ يتقدم عليه في لبنان، بصرف النظر عن الطلعات والنزلات في مواجهة السلطة للتحديات.
لكن المشكلة الأكبر أن المشروع الكبير، المشروع الإقليمي الإيراني، والعمل على “شرق أوسط إسلامي “بقيادة الولي الفقيه”، بدأ منذ عملية “طوفان الأقصى” وحرب غزة و “حرب الإسناد” في لبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا والضربة العسكرية الأميركية والإسرائيلية القوية لإيران يصطدم بطبعة متجددة من “الشرق الأوسط الجديد” بقيادة أميركا.
فالرئيس دونالد ترامب الذي أعلن في استراتيجية الأمن القومي لعهده أن بلاده ستخفف التزاماتها في الشرق الأوسط، مرتبط بمشروع سلام في المنطقة يحتاج تحقيقه، لا فقط إلى تسويات في غزة ولبنان بل أيضًا إلى معارك عسكرية للتخلص من سلاح “حماس” وسلاح “حزب الله”.
ومن هنا الحاجة إلى تسوية، ولو أمنية، لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي، لأن من يقوم بالقتال في غياب “التسوية الأميركية” هو إسرائيل التي تهدد بتدمير لبنان على غرار غزة. ومقاومة “حزب الله” ليست ورقة قوة وراء المفاوض اللبناني بل ورقة ضعف. وسلاحه مصدر خطر من حيث الإيحاء أنه لرد الخطر الإسرائيلي.
ومشكلة لبنان أنه محكوم بما سماه أندريه بروتون:”اختراع الانتظار”.