زلازل صور عبر العصور

بقلم منير بدوي

عانت هذه المدينة الحضارية في تاريخ شعوب المنطقة، من الدمار باختلاف عن مدن العالم وعبر عصور عديدة واكبتها، ولعل الفرق الشاسع بالمساحة والذي كان بين محيط شبه الجزيرة بالقرن الميلادي الأول 4070 متراً، وكما وجده البحاثة ج. دي برتو الفرنسي عام 1842 م وهو 3200 متر، ويعود ذلك لإنهيارقسم كبير من اليابسة وإختفائه تماماً تحت سطح البحر نتيجة لزلازل متواصلة ضربت صور.

فبين سنتي 501 و502 م تعرضت صور لهزّة أرضية عنيفة جداً دمّرت جزء ًكبيراً منها، ولكن المدينة تغلّبت على هذه الكارثة الطبيعية بإعادة بنائها نظراً لغنى أبنائها عبر البحار وخلال المستعمرات التي أنشأوها ضمن البحر المتوسط وخارجه.

في عام 551 م حصل زلزال مدمر أدّى لسقوط أبنيتها وكنيستها المشهورة ”أم الرب” وكذلك معبد هيكل ملقارت (وكانت عبادته ما زالت معتمدة)، بلغ درجته 7.5 قياس ريختر، وذلك بعد طوفان مياه البحر على صور وتخومها وبيروت وجبيل وطرابلس (تسونامي)، بوصول أمواج البحر إلى تخوم القرى المحيطة (توجد آثارأصداف تشير إلى ذلك)، وكذلك الهزّة الأرضية سنة 685 م التي خربت المدينة برمّتها، وفي سنة 1034 م إرتفعت مياه البحر من جديد فغطّت صور ومدن الشاطىء اللبناني إثر زلزال وقع في عمق البحر، وأيضاً حصلت هزّة سنة 1114 م أدّت إلى هلاك قسم من السكان وتهدّم منازلهم، ولم تبق زلازل سنتي 1200 و 1201 م إلا على بيوت قليلة، وفي سنة 1204م شهدت المدينة زلزالاً عنيفاً عمّ معظم البلاد، فدمّر سورها العظيم وما تبقى من أبنية تاريخية لها، وبعد هدم أبنيتها العامرة أثر إنسحاب الصليبيين الفرنجة عنها عام 1291 م، بأن الملك المملوكي أشرف خليل أمر جيشه بهدمها عن بكرة أبيها ولم يبق فيها حجراعلى حجر خوفا من عودة الفرنجة والتحصن في صور، وهكذا غمرتها الرمال بفعل رياح الزمن و أصبحت مقلعاً وافراً بالحجارة والأعمدة تمً نقلها إلى قصور أوروبا وجزر المتوسط بواسطة السفن، ناهيك عن بلاد فلسطين وسوريا وقرى جبل لبنان.

في عام 1785 م ضربت صور هزّة أرضية عنيفة أحدثت دماراً داخل الأحياء، وايضا في سنة 1837 ضرب المدينة زلزال لأبنيتها العالية ثلاث طوابق، وأرعب الأهالي في المدينة القديمة. وفي عام 1841 م وقعت هزات عنيفة متتالية فحصل تدمير لسقوف بعض الأبنية ذات الطبقات الثلاث، وطالت أيضاً سقوط قسم من مأذنة مسجد صور القديم، وهدم قسم كبير من عمرانها وجزء من مسجدها القديم، وقد قام بترميمه وإصلاحه عام 1845 م قاضي صور الشيخ عبد الله المغربي، وقد توفي عام 1853ودفن في صحن المسجد تقديراً لمكانته الدينية وإحترامه لأهل المدينة (تم إزالته من مكانه عام 1997 خلال فترة ورشة الترميم والصيانة للمسجد من قبل دار الفتوى وبدعم من رفيق الحريري) .

وفي صيف 1956 م حصل زلزال ما بين منطقة جبل الشوف وإقليم الخروب (بلدة شحيم)، ما أدى إلى تدمير مئات المنازل في قرى الجبل ووفاة العشرات وجرح المئات، ولقد شعر بهذا الزلزال أهالي صور فلجأت معظم العائلات الغنية والفقيرة للسكن مؤقتاً عدة أيام خارج منازلهم على تلال الرمال المتاخمة للمدينة.

وفي عام 1978 حصلت في صور إرتدادات خفيفة نتيجة زلزال عنيف ضرب جنوب تركيا، فأحدثت بعض التشققات في منازل صور القديمة، وأيضا في صيف 1998 وقعت هزة خفيفة شعر بها القاطنون في أحياء المدينة. ومؤخراً نتمنى أن تكون الأخيرة، خلال عدة أيام وقعت هزات متتالية ما بين 13 و 14 و 15 شباط 2007، كان أعنفها الذي ضرب المدينة ظهر يوم الجمعة ما أحدث الرعب والهلع بيـن أهالي صور وضواحيها وقرى القضاء ،وخاصة ما بين طيردبا- العباسية – صريفا، وإمتدت إلى صيدا – النبطية –بيروت – جبيل. وفي صور نزل الأهالي من الأبنية المرتفعة إلى الشواطئ القريبة والأماكن الفسيحة والحدائق والملعب الروماني، وقد سقط بعض الجرحى وحصول عشرات الإنهيارات العصبية بين المواطنين .

وفجرالإثنين 6 شباط 2023 م ضربت هزّة قوية الساحل اللبناني حتى صور،تلاها إرتداد الهزّة الأرضية، التي أحدثت خوفاً للساكنين في المدينة دون أضرار مادية تذكر بالممتلكات، والهزّة جاءت أثر زلزال مدمّر ضرب تركيا ومحافظات سورية ”حلب، حماه، اللاذقية” خلف وراءه مئات القتلى والجرحى.

… وتبقى التوقعات العلمية لمدينة صور باستحالة تعرضها لهزة قوية أو إلى زلزال مدمرفي السنوات الخمسين المقبلة كما حدث في عام 551 م، ولكنها حتما سوف تتعرض لهزات متتابعة.. والله أعلم !

اخترنا لك