أم كلثوم و تكوين الشخصيّة بصيغة بحثيّة

بقلم نبيل مملوك

أقبل كتاب ” أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي” للباحث كريم جمال بصيغة تقدميّة ومنهجيّة إلى حدّ ما ونقاط عدّة تبرهن ذلك٬ نذكر منها ثلاث نقاط:

أوّلاً : على صعيد الشّكل…

لم يفت الباحث كريم جمال تقديم بحثه الممتدّ على طول ٦٠٨ صفحات ( صادر عن دار تنمية ط.١ 2022 ) ضمن فصول لها مقدّماتها المعرفيّة مثال :” توطئة قبل رحلة تونس وعرض بانورامي للعلاقة الشاحبة بين البلدين قبل الاستفاضة بتفاصيل الرحلة ” فضلاً عن توثيق المصادر المصادر والمراجع الصحفيّة والإذاعيّة والإعلاميّة في المتن بصياغتين : الأولى بتصرّف والثانية حرفيًّا…

لكن الشائبتين اللتيْن وقع في شركهما الباحث تمثلتا في تقليله لنسبة التوثيق في الهامش فبدأ كأنه توثيق غير منهجي مقتصرًا على التفسير أو التوضيح أمّا الثانية فهي عدم ذكر تواريخ ميلاد ووفاة الشخصيّات بالتساوي فغاب ذكر بعض تواريخ ميلاد ووفاة شعراء ومفكرين مهمين لقاء ذكر تواريخ ميلاد وممات شخصيّات ثانويّة كالمحافظين مثلا وغيرهم.

ثانيًا : في المتن

قدّم كريم جمال تحقيقًا طويلاً ومركّزًا ابتعد فيه كل البعد عن السيرة الذاتيّة أو أي تهويمات ومؤثّرات عاطفيّة ومعطيات صحفيّة تحثّه على البدء بحياة أم كلثوم من ألف بائها٬ وحصره للثيمة ( الموضوعة) بنكسة ال٦٧ والعبور المنعوي نحو التحرير جعلاه بشكل مقصود وربّما غير مقصود أن يظهر رؤية أم كلثوم إلى الوطن والٱخر.

فرؤيتها إلى الوطن تجسّدت من خلال عرض الباحث لنشاطاتها الخيريّة وتبرعاتها بالتفصيل وشروطها القاسية لتحقيق المكسب الذهبي وتأثيرها المزعوم بالمقربين منها والذي كشف عن تأسيس جمعيّة محليّة غايتها جمع التبرعات لصالح المجهود الحربي.

وعن رؤيتها إلى الٱخر فلم تقتصر على الرجل وحده المتمثل بالقائد وعلاقتها بجمال عبد الناصر رئيسًا ومستمعًا يقدّر فنّها.

بل على الرجل بشكل عام وسلوكيّاته وما سوء التفاهم الحاصل في حفلة ليبيا حول لفظة “مرا” فضلاً عن مفاوضاتها كندّ حقيقي لمتعهد حفلتي باريس ومحاوراتها للشعراء خصوصًا نزار قبّاني وتدخلها في القصيدة ولحنها وبثّ الأغنية…

لكنّ هذا التقديم كاد ليكون محض موضوعيًّا لولا تماهي كريم جمال مع ذاته من خلال الألقاب التي منحها لصحفيين وشخصيّات عامة فمفردات كاتب كبير٬ وسواها وبصرف النظر عن أحقيّة الفرد بها جعلت من البحث انحيازًا للمشهد لا نقله.

ثالثًا : الصور

لم تكن الصورة لصيقة بالشكل الخطيّ أو الشكل العام للبحث وهذا ما يحسب لجمال٬ فمع نهاية كل فصل كانت الصور تتالى لتكون بمثابة ألبوم يريح المتلقّي من تفاصيل ومتعلّقات تاريخيّة مكثّفة.

فبرزت صور التذكار وأم كلثوم خلال أدائها المسرحي الغنائي والشخصيات التي أحاطتها كمستند يساعد خيال المتلقّي على تكوين التفاصيل وتذكّرها.

وهذا ما تنادي به نظريّة القراءة والتلقي التي حرص المنظرون الغربيون منذ تهذيبها على حرصها على كل عناصر النص وعلاقته الإيجابيّة بالمتلقّي.

يتقدّم هذا الكتاب اليوم كصيغة بحثيّة جادّة تؤسّس لمشروعات أخرى تطال الفنانين وحيواتهم مع المجتمع والسياسة والفنّ.

وتكشف جوانبهم الشخصيّة بعيدًا عن إبداعهم وصورهم المثاليّة أو السراليّة المكونة داخل العقل الجماعي.

اخترنا لك