عبد الله الحسني يعيد للحوارات هالتها

بقلم نبيل مملوك

‏في كتابه “الاختلاف أفسد للود قضيّة” الصادر حديثًا عن مجموعة تكوين المتحدة٬ أعاد الكاتب الصحفي عبد الله حسني الحوار صيغة إلى مفهومها المهني المحض٬ من خلال اقدامه على جمع حوارات عديدة تشارك بها رأيًا من خلال طرح التساؤلات الثقافيّة والفكريّة الملحّة على كوكبة من المثقفين والمنشغلين في حقل الثقافة وترميم المفاهيم ‏والحقّ أن الحسني أراد أن تكون هذه الحوارات انطلاقة جديدة ومحاولة مهنيّة صحفيّة لتكوين مربع جديد يتسع لقراءة المفاهيم.وهنا نحن أمام موضعين٬ موضع الطرح وموضع إخراج الطرح

‏الطرح والتعامل مع المفاهيم الشائعة

‏من الفقرة الحواريّة الأولى حتّى الأخيرة٬ لجأ الحسني وهو مدير تحرير صحيفة الرياض للشؤون الثقافيّة إلى المفاهيم الثقافيّة والابداعيّة فكرًا وأدبًا من الابداع إلى المبدع والنقد والأدب والنّص وسواها ليتحسّس رؤية الطرف المُحَاوَر… وهنا نحن أمام عودة مبدئيّة ومدروسة لأصل فعل الحوار وفصوله الكثيرة التي تبدأ من عند المحاوِر نفسه أي الحسني الذي استفاد من تجربته المهنيّة في الصحافة الثقافيّة لينهل أبسط المفاهيم وأسلسها لفظا وينطلق بها نحو رؤية ومسمع ضيفه في عمليّة التساؤل ضاربًا عصفورين بحجر واحد الأوّل الاعلان عن البدء من الأصل لفهم الفرع كأن نفهم مفهوم الابداع مثلًا في الثقافة والأدب المحلي وننطلق به نحو ذاتية الضيف والثاني وهو ما بنى عليه الغرب أساس عملهم “جماليّة التلقي” أي أن القارئ الزائر لهذا الحوار سيتلقى هذه الحوارات على أنّها مقبّلات لذائقته الفكريّة قبل أن يصدم ويصعق بعمق ما تحمله كلمة ابداع مثلا وثقافة ونقد خصوصا في الفقرة الحوارية الأولى من الكتاب ‏وما تبعها من سجالات ومناقشات عبّر فيها الحسني عن مهنيّته وتقبّله للٱراء المغايرة وهي صفحة جديدة يحضّ على فتحها في دفتر الحوارات التي تلغي القطب الواحد وتسمح للجمهور بتقديم وحدات تواصليّة متباينة من ٱرائهم.

‏إخراج الطرح بين الاسهاب والكثافة

‏اعتمد الحسني على استراتجيتين في حواراته٬ الإسهاب الذي تكشّف من خلال نقل الاجابة بدقّتها وكلامها التامّ بعيدًا من أي توغل لغوي في عمليّة التحرير أي أن الحسني كان جرّاحًا ناعمًا تجاه جسد الكتابة.

‏وهذا ما يعدّ فعلا موجزًا ونادرًا…

‏الحسني استطاع انتقاء مثقفين من اطياف مختلفة ك هنري زغيب / جاسم الصحيح / سوزان عليوان…واشار بوضوح إلى أنّه راضٍ عن كل العمليّات الحواريّة رغم الحدة والتباين فيها من ناحية المداخلات والٱراء…والموضوعات فمن حال الثقافة والنقد إلى رؤية سمو ولي عهد المملكة العربيّة السعوديّة الأمير محمد بن سلمان والتمرد العصري من خلال قصيدة العمود على الأبوة في العمليّة الشعريّة…

‏كلّها موضوعات أثبت الحسني جدارته في تقديمها رغم أن بعضها قد يوقعنا في فخ الإطناب الا أن الكاتب عرف خلق مساحة لغويّة بين كثافة الطرح والاسهاب…

‏لعل الحسني أراد أن يأخد من الأسلوبيّة وهي مدرسة نقديّة كلاسيكيّة ما لا يموت وهو “القارئ شريك أساس في صناعة الدلالة” فكانت جل الموضوعات قابلة للتواصل المتبادل وللتفكّر والتقوّل والنقل والنقد…

‏أدخل الحسني الحوار في دائرته الأساس حيث التحرّر من الثنائيات ومعادلة السائل والمسؤول لتكون في كتاب واحد يكسر ما قاله الفرزدق “علينا أن نقول وعليكم أن تتقولوا” أي كسر النسخ والنقل وهي قواعد متقادمة في عالم الحوار الصحفيّ. مقدّما الاختلاف على أنّه طبقًا مرغوبًا ولا تعني أفسد للود قضية كصيغة خبرية تكمل العنوان أن نزاعا قام بين المثقفين بل فعل الافساد أتى لينزع الهدوء البارد والخمول الفكري… كاتبا شرارة لحوارات كثيرة ولن تهدأ مفاهيمها على الأرجح.

اخترنا لك