يون فوسه بين نوبل وهاجس المعايير

بقلم نبيل مملوك

فاز يون فوسه (1964-…) الكاتب المسرحيّ والروائي النرويجي بجائزة نوبل للآداب 2023… اسم جديد قديم يدخل إلى ذاكرة القارئ النهم وكذلك يجنح نحو إدراك القارئ المبتدئ، الاسم الذي لم يطرحه أحد انضمّ إلى عبد الفتاح قرنحه وقبلهما لويس غليك لتبعث جميعها رسالة واحدة إلى الصحافيين والنقّاد والقرّاء والأدباء نفسها: “المسألة أعمق من المراهنات”.

يأتي فوز فوسه بعدما سوّغت اللجنة قرارها بفرادة الأصوات النثريّة في مسرحيّات الكاتب النرويجي، هو تسويغ طبيعي على الأرجح أو معقول بلغة النّقد يفتح الباب أمام سؤال إشكاليّ واحد: كيف يتمّ اختيار الفائز؟ هل يُستشار ضمنًا قرّاء العالم؟ وإلى أيّ حدّ تمثّل معايير الجوائز ذائقة القراءة وفنّها؟”

جائزة زئبقيّة تفلت من التوقّع الصحافيّ…

لعلّ فوز يون فوسه مؤلف رواية ثلاثيّة والتي وصفته “نيويورك تايمز” بالشاعر الشرس البسيط وفقًا لكتابته، شكّل صفعة جديدة للصحف العربيّة والعالميّة التي لا تملّ التوقّع ولا طرح الأسماء أو نقد الأسماء المطروحة منذ “الأزل” بدءًا من أدونيس ومن ثمّ ميلان كونديرا وهاروكي موراكامي وصولًا إلى أمين معلوف وقبل هذه الأسماء جميعها خورخي لويس بورخيس شاعر اللاتينيّة والقصيدة النثريّة المكثفّة…

والحقّ أنّ الصحف اليوم تتابع الاسم الأكثر رواجًا من ناحية المبيع والانتشار والإقبال بقدر ما تتابع النبرة الكتابيّة وفرادتها٬ نعم موراكامي متفرّد بطرح العبث والتفكّك كمشروع روائيّ ومعلوف متفرّد ببناء الحضارات والحكايا انطلاقًا من “الشرود” (راجع لقاءه مع الإعلامي ريكاردو كرم) لكنّنا لم ننجح في العثور على جمهور من الصحافيين ينقّبون كما تفعل نوبل على الأسماء التي تلامسها الأضواء المحليّة فقط٬ قد يكون فوسيه الرومنسيّ في رواية “ثلاثيّة” والمختلف في مسرحيّاته الأقرب الى النّثر السهل الممتنع واحدًا من الذين خطفوا ضوء الداخل لكنّ نوبل على الأرجح تتّجه إلى وضع نهج مدرسانيّ (معلوم الملامح) يركّز على ذائقة أفراد اللجنة ورؤيتهم لا على قاعدة تربّينا عليها واعتنقناها “ما تريده الجماهير”.

فالجمهور وفقًا لغوستاف لوبون محكوم بالعاطفة ووفق فرويد الذي نقد لوبون محكوم باللاشعور أحيانًا، أمّا وفقًا لنوبل فالنّص هو الحاكم لا الجمهور… يبقى الاستياء متوقّعًا كونها الجائزة الزئبقيّة الوحيدة الخالية من وضوح في التوجهات والمسارات إلّا أنّ فوز مؤلّف “صباح ومساء” يعدّ لازمة تفيد القارئ أن مشوار القراءة لا ينتهي… وأن المعرفة التي جعلها ميشيل فوكو رديفًة لكلمة إنسان تدفعه ليقرأ ويغطّي أكبر قدر من النصوص ولن ينجح.

أمّا بعض أوجه الصحافة الثقافيّة تحديدًا يبقى السؤال مطروحًا أمامها هل ستستسلم لفشل لعبة المراهنات الفايسبوكيّة؟ أم ستبقى حبيسة فيها ليقرأها الجمهور أكثر؟

يون فوسه والقرّاء العرب

عند اعتلاء الاسم غير المألوف منصّة التتويج ب#جائزة نوبل للآداب، ترى معظم المثقّفين لا سيّما العرب منهم يتهافتون لإعلان الخبر على صفحاتهم الافتراضيّة، خصوصًا فايسبوك حيث فضاء التعبير ما زال مطلقًا رغم كلّ القيود وإثارة الجدل حول هذا التطبيق لكن قلّة من هؤلاء من يعلن عن اِسم الفائز بنشوة ومتعة وانتصار، ولعلّ السبب الأساس أو البديهيّ على الأقلّ يعود إلى أنّ كتّابًا كثيرين عالمييّن لم يأخذوا حقّ الاِنتشار وأنّ الصدف التي قادتْ موراكامي وكونديرا وماركيز ومعلوف وأدونيس ومورافيا وفوكنر وسواهم إلى العالميّة تتسلّل بشكل غير عادل وتخضع لمزاجيّة الترجمة والمترجمين من جهة، وصعوبة الحصول على حقوق الترجمة لشتّى الأسباب من جهة ثانية، وما عنونته “الجزيرة.نت” اليوم خلال إعلانها فوز يون فوسه: “النرويجي يون فوسه يفوز بجائزة نوبل للآداب ويعيدها لمهدها الإسكندنافي” يقابله عنوان موقع فرانس 24 بالعربيّة “الكاتب النرويجي يون فوسه يفوز بجائزة نوبل للآداب” يظهر أنّ الموضوعيّة في الصحف الغربيّة حادّة تمامًا كالفضول في الإعلام والصحافة العربيَّين، يعدّ عنوان الجزيرة.نت محاولة لفهم “اللعبة” لو سلّمنا فعلًا أن جائزة بحجم جائزة نوبل تخضع لقانون “اللّعب”، خصوصًا وأنّ فوسه سيكون في الفترة المقبلة ضيفًا مرغوبًا به في عالم الضادّ، وسوف يتنافس المترجمون على ترجمة أعماله من جديد، خصوصًا المسرحيّة كون المعايير التي دفعته كي يقتنصها مبنيّة على أسلوبه في الكتابة المسرحيّة.

ولأن أخبارًا مثل “من هو يون فوسه؟” ستكون الشغل الشاغل لصحف العرب، سينقسم بديهيًّا القرّاء فيما بينهم حول الرغبة في قراءة لغته المعروف بسلاستها وسرديّته الانسانيّة الرومنسيّة من جهة لنقدها أو قراءته من باب النقض والاستياء، وهنا نعود لفكرة القارئ العربي الرافض للتخلي عن تقديس الأعلام.

سيكون شاقًّا على فوسه أنْ يشرح نفسه أمام العالم الآن وتحديدًا أمام مجتمع العرب المهووس بالمفاهيم والتعريفات على غرارة ما هو الشّعر أو ما هي الكتابة؟ وسيكون مقلقًا أن يكون كاتب مسرحيّة “الاسم الاخر” أن يجد اسمه واضحًا أمام أناه أو أنا القارئ المزاجيّ الذي لم يعرف وسط أزمات الواقع كيف يهرب من خلال القراءة.

تعيد نوبل الكرّة وتختار فوسه ولا ريب أن المداورة التي اعتادت عليها الشعوب في عالم السياسة بين الأحزاب والنقابات والميادين الانتخابيّة هي آخر الأدوات المستخدمة.

ولأنّ الكتابة هي جائزة يتقاسمها بألمها ولذتها القارئ والكاتب، فاز يون فوسه ليكون جائزة جديدة أمام محبّي الأدب، وكواليسه الساكنة الخالية من ضجيج التوقعات.

ليكتب النرويجي ونصّه المسرحيّ “حلم الخريف” (1999) منطلقًا لأدب جديد لن يبدأ من البقعة الاسكندنافيّة ولن ينتهي في العالم العربي.

اخترنا لك