عن النقد الموسيقي واحوال العباد في البلاد !

بقلم عمار مروه

كيف يستوي النقد الموسيقي ليبلغ مداه الاوسع والاعمق ويصيب الذائقة بالخصب وينتج قيم فنيه ومعرفية ؟ .

هذا سؤال كبير و وواسع ولعله سؤال الأسئلة الذي قد يهم الفنانين والمبدعين في العالم المتحضر ولكن لا احد عندنا يكترث له وحتى عند اكثر الناس العاديين في الغرب.

ورغم ان الأجوبة على هذا السؤال أعلاه تتعدد وتتنوع ولكن برأيي انها تتسع لتشمل عوامل وحقائق مُرّه يعاني منها العالم الموسيقي المهتم بنشر الموسيقى الراقية بين كل الناس.

يبقى برأيي انا كاتب هذه السطور ان هذا السؤال مرتبط قبل كل شيء بمحاولة إيجاد علاقه ومناخ صحي يجمع مثلث “المؤلف -العازف -والمستمع” بعلاقه تؤدي لولادة بدايات تسمح بفهم أهمية النقد والتذوق والابداع في حياة البشر وتقدمهم.

واذا كانت هذه العلاقة تعاني من خلل في علاقة عناصرها الثلاثة ببعضهم فإنها يمكن ان تتطور بالسماع والعناية والتربية التي تبدأ من الذات لتصل الى الاخر لخلق ظروف صحيه افضل تتسع اضلاع هذا المثلث ببعضه وتنضج.

واذا كان هذا المدون أعلاه نموذج مثالي وجميل حيث تشرح هذه السيدة التي تشكل الضلع الثاني من المثلث احد اجمل المؤلفات الكونشرتاتيه لشوبان بحرفيه عالية اعطتها إياها قدراتها العالية في العزف على الاله الاحب الى شوبان الذي يُعتبر هو ملك التأليف عالميا .. ومع ذلك نراه لم يكتب الا اثنان من الكونشرتو للبيانو كما انه لم يكتب أيضا ( أي شوبان ) أي سيمفونية ابداً.

وهذا ليس ضرورياً او مهماً كما يعتقد معظم المؤلفين الموسيقيين العرب فشوبان حجز مكانه العظيم والخالد في سجل تاريخ التأليف الموسيقي منذ بدايات كتاباته لقطع صغيره لهذه الاله من الباب الاوسع . المهم البوست هذا مثال رائع بل نموذج صارخ لعلاقة صحيه يفترضها النقد الموسيقي الذي يشرح هذا العمل الكونشرتاتي بكل تفاصيله .. التقنية والعبقرية التي كرست شوبان كأعظم من كتب للبيانو…

والسؤال الذي يهمنا هنا هو التالي : هل يجب ان يكون المستمع على دراية وفهم لكل التفاصيل التقنية التي تناولتها هذه العازفة ؟!. كبداية لتأسيس بداية علاقه جديده للناس العاديين بالنقد الموسيقي يمكن القول ان الجواب نسبي ويمكن ان يكون لا ونعم .. فليس مفترضاً من الجمهور ان يتقن اللغة الموسيقية كلها ليفهم أهمية ما تقول السيدة، بل يمكن ان يكون كبداية مستعداً ليسمع الموسيقى فقط بصمت ويتأمل كيف تدخل اغوار النفس بسلام وحب ، فيتذوق فاكهة النتيجة بالسماع .. والباقي يأتي رويداً بالتربية الذاتية ليتطور بتربية أجيال .

اعتقد ان الموسيقى قبل كل شيء هي لغة مميزه بكونها يمكن ان تفهمها وتتذوقها بدون ان تتقنها او حتى بدون ان تتعلمها مطلقاً وهذا هو سرها العظيم الذي لأجله قيل انها لغة الرب المفضلة !.

اما من يتقن اللغة الموسيقية فيمكن ان يستفيد من شرح هذه السيدة للتفاصيل المثيرة عن ما فعله شوبان من جهود لبناء عمارته الكونشرتاتيه هذه التي تقف مع الكونشرتو الثاني كإنجاز موسيقي خالد يحاكي الكمال ويقول سر من اسرار الخلق والخلود الابدي خصوصاً ان السيدة تشرح جماليات التأليف خطوه خطوه وكيف تتطور من بداية مفتاح المقام وعلاقته بمفتاح المقام الاخر الذي يشملهما معاً مفاتيح البيانو على السلالم الموسيقية المختلفة وهي تسير متوازية فوق بعضها بأخاء وتآلف تميز به سطري البيانو الذي هو العنصر الأول في الكونشرتو ثم تشرح السيدة تطوير شوبان للتيمات بالمفاتيح التي اثرت الجُمل الموسيقية بالتنوع اللحني وهو يحاكي فنون الموديلسيون وغيره الذي عبره اثرى شوبان موتيفاته وهي تبني تيماتها بين جُمّل اليد اليمنى وجُمَل اليد اليسرى.. الكونشرتو وقالب موسيقي يكتب لبطولة الة تحاكي الأوركسترا بتفوق جمالي تدّعيه الاله بقدراتها الذاتية وهي هنا البيانو .. وكانه يقول الأوركسترا أنا البطل اتيت تقودكم في معركه الجمال لننتصر على الصمت والقبح فاتبعوني وافعلوا ما أقول !.

وهما ( الالة البطلة والاوركسترا جيشها ) تحاكيان فنون التأليف بالتالفات الهارمونية والبوليفونيه والكونتربانطيه التي على أساسها ترتفع العمارة بأنواع البناء الاوركسترالي بنسيج بوليفوني الاتي تتوزع عليه الخريطة العامة بثراء اوركسترالي يتوسل به البيانو جنوده الات الأوركسترا السيمفوني المتنوعة !.

باختصار هذا نموذج راقي ومتطور يشرح بلغه محترفه اجمل ما يمكن للنقد الموسيقي ان يصله من سمو الغاية من وجود مثلث المؤلف العازف المستمع التي بها تبلغ رساله الفن الموسيقي الكمال من وجودها .. تتوسل له بسمو لا تبلغ أهدافها الكمال الا بنضحها وازدهارها وشكراً !.