عيد جميع القديسين ؟!

بقلم عمار مروه

نص لن يعجبكم لأنه صادق في وصف حالنا نحن اللبنانيين في تعاملنا مع مسألة ايمان اعمى يبتعد عن الخالق الحقيقي، بقدر ما يتوسل ايمان مشوه بصناعه قديسين اخترعتهم مؤسسات دينية تبيع وتشتري بهم وعينا الجميع بعيداً عن الايمان الحقيقي المتنور بخالق لا يطلب الا الانفتاح عليه بمحبه بعضنا فيه بوحدة هذا الوجود بالإيمان المتنور !.

فاضت ذكرى عيد جميع القديسين التي تقع اليوم بقدرتنا على تدبّر ما يحدث في غزة من فظائع !.

فاضت لتبتلع قدرتي على الصمت مع ما يحدث أيضاً في مصر والسودان وإثيوبيا وسوريا وأرمينيا وتركيا وأوكرانيا وبقية الدول العربية والإسلامية والمسيحية والدينية الأخرى من فقر و تجويع وتعطيش وانهيارات أخلاقية ومع ما حدث مؤخراً وما زال يحدث في لبنان من تفاقم وتوسّع لظواهر الفساد والافساد والفقر والإفقار.

تترافق هذه الظواهر مع انتشار مخيف وتزايد لعدد الكنائس والجوامع والصروح الطائفية والمذهبية بلا أي داعي في كل زاويه وحي لبناني وعربي على حساب انحسار وتراجع مستويات وعدد دور العلم والتربية في المدارس والجامعات والمهنيات والمستشفيات ودور العجزة والرعاية الصحية والاجتماعية وغياب أو تناقص مستوى كل مظاهر تنوع وغنى الحياة الكريمة. مما يدعوني لقرع جرس الإنذار باسم كل هذه الانهيارات وعلى رأسها المذابح والفظائع المريعة في غزة.

 تستصرخ غزة اليوم حقها بالحياة وهي تقاوم بوجه سماء سدت آذانها أمام جهلنا لتقول للبشر أما كفاكم قديسين فاضوا عن حاجتكم الى التحديق في المجهول بالذل والبكاء والخنوع بصمت ؟!.

أما كفانا قديسين صامتين وقاصرين أمام فراغ اليدين من ان نكون مؤمنين احرار بلا مؤسسات دينية سعت وستبقى تسعى للاستيلاء على إرادتنا ليحدث لنا ما يحدث ! .

هكذا يصبح الطريق الى الإيمان والوطن والبيت أجمل وأقسى وأطول من الوصول إليها كلها.

هل بالاعتقاد ان مستويات وعي بشر مثلنا صارت تباع وتشترى بمؤسسات وصروح دينية عريقة تقاسمنا بقديسين كُثُر ومعجزات فرضتها علينا معتقدات رجال دين رحلوا لتسِمْهم وتُطَوّبهم علينا طوائفهم قديسين بمعجزات لا تغني ولا تسمن من جوع وجهل وتعتيم ؟!.

كل ذلك بدل إعلاء شأن الإيمان الحقيقي المتنور بالخالق الذي يدعو البشر للتكاتف والتعاضد والإيمان بكل مظاهر الإيمان الحقيقي المقترن بالعلم والأدب والفكر الذي يبتعد عن كل مظاهر التخلف بقدر ما يعمق العمل بالقيم الفكرية والجمالية التي تنتج المعرفة والمحبة في سبيل ارتفاع مستوى الحياة الحرة الكريمة للناس والمواطنين بعيداً عن التمييز العنصري والعرقي والديني والأخلاقي.

 لا يهم ان تأخرت اليوم على العشاء  او نسيت ان أشتري مسحوق الغسيل او الزيت او الخبز، او كل ما يمكن ان تطلبه النساء من ازواجهن على طريق عودتهم مساءً من أعمالهم الى البيت لان غداً عطلة رسمية دينية للاحتفال بعيد جميع القديسين حيث ستقفل الافران والمتاجر !.

فجأة، انتبه ان القمر قد تربّع وجه السماء اليوم ، وهو بحالة البدر الذي يأتي مستديراً مستنيراً يقول بالفم الملآن : انا عنوانكم بوجه الظلام  ، خذوا من نوري ما تشاؤون ،خذوا للبيت او للسفر او لما يحدث في غزه او مصر والسودان خذوا زاداً بما يكفي للقدرة على الصبر  والتحمُّل ، خذوا نور للوصول الى البيت حيث يتراكم النقص في حاجتكم للنوم والطمأنينة والسلام .

خذوا زاداً من انوار الحب اذا ما احتجتم للعودة لأحضان زوجاتكم في البيوت.

واذا احتجتم اقطفوا نجمه من نجوم زادت عن حاجة السماء إليها لتهتدوا بها بصبر على متابعة طريق لن ينتهي الا بحاجتكم  لمعنى عصري جديد لمصادر العدل والعدالة في حياتكم الداخلية.

خدوا زاداً بما يكفي ليضيء ليلكم المظلم باليأس والخوف والذل.
لا يهم كم هو النقص لديكم، فخذوا بلا حساب، وفوق ما تحتاجون إذا شئتم.
خذوا .. فالنور بوجه الظلام ينتشر بما ليس له حدود ولا اتساع . خصوصاً إذا ما تعمدتم إضاءة شمعة واحدة بنور عقل يدفئ القلب ويهديه.
خذوا بكرم كل ما يمكن ان تحملوا من نور.
فالنور ليس ملكاً لاحد وهو ليس حتى لي ولا مني ، بل من أمي الشمس يأتيني منها بلا حساب ولا مِنّه من عدو أو صديق.
خذوه إذن بلا حدود ولا تقولوا كلاماً فائضاً عن حاجه للشكر أو الاكتفاء !.
خذوا و خذوا و خذوا ما دمتم ستعطون.
يقطع حبل افكاري قرع جرس كنيسة قريبة يمهّد بصوته لحدثٍ ديني ما .

غداً عطلة كرستها الكنائس مناسبة تبغضها السماء ، لأنها جمعت من القديسين ما هالها اعدادهم كلما حاولت حصرهم !.

قديسين وأولياء مكدسين بصور وجثامين محنّطه وايقونات مذهبه ومعلقه تتوسل الفخامة على جدران كنائس وجوامع ومساجد وكاتدرائيات فارهة ولكنها فارغة من النور والحياة كما من أي شعور اخر يتوازى بما يحدث للأطفال والنساء والشيوخ في غزة اليوم او الجوع في السودان والصومال وإثيوبيا او كل عمليات الافقار في مصر وسوريا ولبنان !.

قديسين بلا حدود استهلكوا الأسماء كلها، حتى  إذا ما أضفناهم الى عدد الرسل والانبياء الذي يبلغ مئات الالاف ، لا نجد فيهم من السلوى ما يكفي إلا للدجل والعزاء والاستلاب !.

لابد ان تنتبهوا غداً الى كمية هذا الجحود الذي نمارسه أمام الله لنتميز به نحن البشر عن غيرنا من الكائنات.

هل يعقل اننا لم نتعلم شيئاً مما عاناه اجدادنا ولم نزل نعاني منه الا بالمزيد المتعاظم من الظلم والعدوان والفظائع في غزة ، فقط لان شعوباً عنصرية تدّعي انها مختاره وأخرى تدعي إنها وحدها تختم كل طريق اخر الى الله بكتابها او صليبها أو أنها وحدها الفرقة الناجية ثم نعود لنراها تتفرق الى مذاهب وطوائف وسنّة وشيعة ودروز وارثوذكس وكاثوليك وبروتستانت و… ؟!.

إذا كان للّه في خلقه شؤون ، فهو بلا شك  واسع وشهيد وصبور قبل ان يكون بارئ ورحمن رحيم وغفور وعظيم ليطوي كل هذا الذي حدث ويحدث باحتكار اسمائه على مرأى ومسمع منا كلنا ومن جميع القديسين المكدسين بلا حدود او قدره عقليه على عدهم للاحتفال بهم بصلوات وقداديس ومجالس لا تؤدي الا الى الحروب والاستلاب والتفرقة.

انها التفرقة التي تصل بنجاح منقطع النظير لتُفَرّقنا الى قطعان يسهل امتطائها بديكتاتوريات الجهل والفقر والظلام !.

اغفر لنا يا أبتي، قد أتعبناك كثيراً عبر العصور ، وأخشى أنك إذا بقينا هكذا ستقطع الامل منا في يوم قريب فنهلك متمسكين بأعداد قديسينا و أوليائنا المكدسة صورهم  على جدران كنائسنا  و معابدنا وبيوتنا الفارغة من كل شيء الا معنى الشغور الحقيقي وغياب النور الذي أدى وسيؤدي بنا الى الفراغ و اللا معنى واللامعقول !.

هل يعقل ما يجري في غزة من فظائع يندى لها جبين الإنسانية امام من نتوجه لهم اليوم بالشفاعة بدل ان نتوجه اليك انت الموجود فينا بقدر معلوم من الحرية وحق الاختيار والإيمان بالنور  ؟!.

ألا يكفينا قديسين ؟!. لقد امتلأت بهم الأرض بأكثر من قدرة البشر على العد ، والسماء على الاحتمال ، حتى اضطررنا ان نحشر الاحتفال بهم كلهم في الغرب بيوم واحد بينما زادوا في الشرق عن عدد أيام الأشهر والسنوات كما زادت حاجة البشر اليهم وضاقت بهم حقوق الناس في المقاومة لانتزاع الحق الإنساني بالوجود الحر خارج حقائق وجودنا كقطعان .

هل تحولنا فعلاً  الى قطعان تخاف من مواجهة الحقائق ؟!. هل نتجرّع حاجتنا المزيفة الى قديسين جدد في عصر الذكاء الاصطناعي وهو يعرى امامنا الحاجة الى هذه الصناعة بمراكمة أعاجيب لم تعد تنطلي على علوم عصر النانو بضرب وتقسيم نواة الذرة والسفر الى المريخ بزيت يرشح من أيقونة او شفاء عجائبي تتغاضى وتقتصر تفسيراته على رجال دين بائسين لا تدار عقولهم الا باستلاب وعينا بالجهل والفقر والظلام !..

كفانا يا ناس  قديسين. الا تعرفون ان كل انسان منكم هو بالأساس مشروع قديس أو شيطان يمكن له ان يقرره ويعمل له ؟.

فلما لحق الله لا تختارون خيار حرية قدسكم انتم بالذات فتربحون حق الوجود الحر لنرتاح من الذل وترتاح السماء بنا ونحن نحاكيها كأحرار !.

لماذا لا نحاكي السماء  بإيمان كريم حر لا تباع حُريته ولا تُشترى بالنفاق والدجل والحاجة الى تعميم الحروب بتقسيم البشر الى طوائف ومذاهب تتناحر بتعميم الجهل والظلام وصكوك الغفران واستغلال براءة وبساطة البشر بخوفهم من المجهول واستغلال براءة الأطفال واستغلال النساء بسلطة رجال أديان تحالفوا مع اسيادهم رجال السياسة برأسمال لم يعد يمكن تغيير النوع وتحجيم العقل الا بهم  !!.

اخترنا لك