كم يحتاج ‘هنود غزة’ الى ‘مارلون براندو’ اليوم

بقلم بلال مهدي

شكل قرار “مارلون براندو” برفض استلام جائزة أوسكار أفضل ممثل عن دوره في رائعة “العرّاب” في العام 1973، علامة فارقة في تاريخ السينما والنضال من أجل حقوق السكان الأمريكيين الأصليين. وشكل تحول في وعي المجتمع تجاه قضايا العدالة والتمييز. في رسالته، أعرب “براندو” عن اعتراضه الشديد على التصوير النمطي للسكان الأصليين في هوليوود، وكذلك على المعاملة الظالمة التي تعرضوا لها على مر العقود.

اعتبر “براندو” في تلك الخطوة التاريخية، أنه كفنان يتحمل مسؤولية نقل الحقائق والمعاناة، وبالتالي رفض تلك الجائزة كوسيلة للتعبير عن احتجاجه. واختار الممثلة “ساشين ليتلفيذر”، وهي من السكان الأصليين الذين كانوا يظهرون تمثيلًا محترفًا في صناعة السينما، أن تكون الوجه الذي يحمل رسالة الاحتجاج التي قرأتها على المنصة بعد رفضها استلام جائزة الأوسكار، واستحقت ترحيبًا غير عادي من الحضور. وفي اليوم التالي، نشرة النيويورك تايمز الخطاب بالكامل، حيث قدمت “ليتلفيذر” من خلاله رؤيتها الصادقة حول المعاناة التي تكبدها السكان الأصليين في أمريكا.

إذا نظرنا إلى تلك اللحظة من منظور انساني، نجد أن مشهد الرفض الصارخ لـ “براندو” قد تزامن مع الظروف الاجتماعية والثقافية في ذلك الوقت، حيث كانت حركات حقوق الإنسان والنضال من أجل المساواة تجتاح العالم. أما اليوم، في زمن تسيطر فيه وسائل الإعلام بشكل كبير على تشكيل الرأي العام، تستخدم القوى العظمى والأنظمة الدكتاتورية هذا السيطرة كأداة لنشر رؤيتها وتوجيه الرأي العام وفقًا لأهدافها ومصالحها. كما يظهر هذا بوضوح في تشويه الحقائق بهدف تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية للدول.

وفي ظل الحرب على قطاع غزة، نجد بعض التشابه في السياق الرمزي بين قرار “براندو” وتحديات الفلسطينيين. ذلك في ظل التصاعد المستمر لجرائم العدو الصهيوني الدموية في غزة، من واجب الإعلام إظهار قضية الفلسطينيين الذين يكافحون من أجل كرامتهم وأرضهم وحقهم في الحياة. حيث تفتقد وسائل الإعلام العالمية إلى المصداقية في فضح الجرائم الصهيونية في غزة، ومنها من هو شريكًا حقيقيًا للصهاينة، ما يؤدي إلى تشويه صورة الواقع في فلسطين المحتلة. ليواجه الفلسطينيون بسببها تحديات مستحيلة في نقل معاناتهم.

من هنا ينشأ التحدي الكبير الذي يواجهه الفلسطينيون للتعبير عن هويتهم الحقيقية كأصحاب للأرض المحتلة والتصدي للإبادة الجماعية التي ينفذها العدو الصهيوني. ويظهر تشابه بين هذه التحديات وتحديات التشويه الذي واجهه “مارلون براندو” والسكان الأصليين في أمريكا. على الرغم من التطورات التكنولوجية والثقافية التي حدثت على مر العقود، إلا أن رفض “مارلون براندو” استلام الأوسكار يظل رمزًا للنضال والشجب ضد التمييز على مستوى صناعة السينما. وهذا بالتحديد ما قد يساعد غزة اليوم.

في النهاية، يكمن الفارق في قدرة الفلسطينيين على بناء تحالفات دولية، وكسر حاجز التضليل الإعلامي من خلال نقل الحقائق والمعاناة بشكل صادق وفعّال.

اخترنا لك