بعد الثورة… انقلاب أبيض على طريقة غاندي و مولر

مشروع ذاكرة بقلم مالك مولوي

كاتب ومعارض سياسي

في هذه المناسبة، الذكرى الرابعة لثورة ١٧ تشرين، يتساءل الكثير من المواطنين والمواطنات، لا سيّما الشامتون من الأحزاب التقليدية الحاكمة، أين هي الثورة وماذا حققت سوى الويلات للشعب اللبناني؟

ثورة ١٧ تشرين لم تقف مكتوفة الأيدي أمام الظلم والاستبداد اللاحق باللبنانيين. بل ناضلت وكافحت من أجل كرامتهم وعزتهم. رفعنا الصوت في الداخل والخارج. عملنا على التوعية السياسية والنضالية في الميدان وفي الصالونات والندوات واللقاءات، محليا وخارجيا.

نحن اليوم نواجه تحديات سياسية، اقتصادية، واجتماعية كبيرة وغير مسبوقة تستدعي المساهمة الإيجابية وتكاتف الجميع. فلكل مواطن حق في الحياة الكريمة وصياغة مستقبل أفضل في وطنه.

في الحقيقة، يجهل الكثير من المواطنين أن جميع ثورات العالم استغرقت عشرات بل مئات السنين. منها ما حقق نتائج ملموسة، ومنها ما حقق انتصارات كبيرة، ومنها من يستيقظ ثم يدخل في غيبوبة، ثم يستيقظ، وهكذا دواليك.

نعم، لقد اصبح هناك وعي سياسي وثوري ونضالي بعد حراك تشرين، لم يكن موجودا من قبل. ثقافة جديدة بدأت تظهر مع بداية أزمة النفايات. ثم انطلقت تتوسع مع كل أزمة جديدة إلى أن وصلنا إلى الجولة الأولى من الثورة وكانت لحظة ١٧ تشرين. إننا نراهن على عودة الحراك وتحريك الساحات عبر جولات تكتيكية في المكان المناسب والتوقيت الملائم.

ثورتنا هي ثورة شعب يواجه منظومة متماسكة متجذرة في الدولة العميقة. وهذا مستحيل لأن الدولة الرسمية تحمي الزعران والمستفيدين. نعيش في بلد غير منضبط، سياسيوه مرتاحون، قضاؤه أصبح آداه ومهزلة، أما العسكر فهم شركة أمنية عند السياسيين الحاكمين.

أولويّتنا كانت ولا زالت، فكفكة المنظومة ضمن عمليّة ورؤية سياسية بامتياز، والحل الوحيد هو انقلاب أبيض، سلمي وغير عنفي، تكتيكي على غرار حركة غاندي وجان ماري مولر وغيرهم من حركات التغيير اللا عنفيه .نعم لانقلاب يطيح بكل هذه المنظومة، وليس هناك من حل آخر.

لدينا عدة مطالب، أهمها استلام سلطة جديدة للحكم بلبنان. وهذا لا يكون إلا بانقلاب ديمقراطي بقوة وحزم وجدية وعناد. استلام سلطة لا يكون فيها معركة نائب من هنا أو هناك بل أكثرية نيابية تسيطر على المجلس النيابي والحكومة ورئاسة الجمهورية، وهذه الخطة الكاملة تتطلب مشاركة المواطنين واحتضان الرأي العام. وهذه يجب أن تكون خطتنا للانتخابات النيابية المقبلة.

إن من واجب الحكماء والعقلاء في ثورة ١٧ تشرين وضع خطة تتطلب شفافية مطلقة ترافقها حملة إعلامية يشارك فيها الناس بكافة الخطوات لتكون عملية اقناع للرأي العام وحملة وطنية تهدف الى توحيد البلد وشد العصب الوطني وخلق وحدة رؤية.

يجب أولا تطهير القضاء، وذلك عبر إقرار قانون منقّح يضمن استقلاليته ضمن آليات واضحة، ثمّ تشكيلات قضائية شاملة يكون من ضمنها تطهير الجيش والقوى المسلحة، وذلك عبر تغيير أكثرية الصفّ الأول التابع للمنظومة وتطهير إدارات الدولة وإحالة معظم المدراء العامين إلى التقاعد.

إننا نرى ضرورة محاكمة رياض سلامة ونعتبر أن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان من الأولويات بالتزامن مع إقرار قانون المحكمة الخاصة لجرائم كبار المسؤولين (رفع الحصانات) وتعديل دستوري بهذا الموضوع اذا لزم، محاكمات علنية، تدقيق مالي جنائي شامل.

وإننا نؤكد على أننا لازلنا نعمل ونضغط باتجاه ضرورة تجميد حسابات وممتلكات ١٠٠ شخصية سياسية تتعاطى الشأن العام في لبنان والمتعهدين وأصحاب المصارف عبر تشكيل لجنة استعادة الأموال المنهوبة بحسب القانون، لأن أموال المودعين مقدسة.

وكذلك نعمل حاليا على الضغط باتجاه حجز جميع أموال وممتلكات أعضاء مجالس إدارة المصارف، وندعو الى إقامة مفاوضات على إعادة جدولة الديون ودفع الودائع مع تحقيق كامل حول عملية انهيار الليرة وتبخر الودائع ولعب الصرافين بـ (الشيكات).

إن أهمية إعادة هيكلة للمصارف يعتبر أمراً مهما كذلك الأمر في ضرورة وضع قانون رفع السرية المصرفية لكل شخص يتعاطى الشأن العام ورفع السريّة المصرفيّة بين وزارة المالية والمصارف، مع تسوية ضرائبية اختيارية للجميع لأنها ستدخل حتماً أموالاً جديدة للخزينة.

ومن البديهي النظر في اصلاح معاهدات تبادل المعلومات الضريبية بين لبنان ودول العالم، وقانون الضريبة على الثروات الكبرى مع وضع عائداتها للبرامج الاجتماعية.

أما بشأن موضوع حزب الله والسلاح المتفلّت على كامل الأراضي اللبنانية، فعلى الدولة أن تطلب من الحزب الجلوس على الطاولة رسمياً لبحث كيفية دمج سلاحه، ويتوجب عليها أيضاُ إحصاء موظفي القطاع العام، الحاجات – التقييم – إعادة تشكيل – اتفاقيات تقاعد مبكر، إعادة تأهيل وتدريب، تحفيز التسريح عبر قروض ميسّرة وإطلاق عملية إعادة هيكلة شاملة وتحديث لإدارة الدولة، من حكومة الكترونية، وطريقة تقييم الموظفين وتحديث الإجراءات ومكانتها.

إن الدولة تشبه الشركات الخاصة من حيث ضخ دم جديد وتقنيات جديدة لإنتاجية أعلى، لذلك يجب القيام بتعداد سكاني شامل مع رقم وطني لكل مواطن ومقيم وتعداد شامل للأجانب، مراجعة كافة الاتفاقيات والعقود السارية وإلغاء وتفعيل ما يلزم، إعادة النظر بكل القوانين لتحديثها و فكفكة الألغام منها مع ضرورة سحب التراخيص من الأحزاب الطائفية، وانشاء قانون تجريم التمويل الخارجي، وتغيير الأوراق النقدية واستبدال التصاميم بوجوه فنانين وشعراء لبنانيين، وضرورة إعطاء المغتربين اللبنانيين اللامعين دورا أساسيا عبر تسليمهم أعلى المراكز.

لقد دافعت ثورة ١٧ تشرين عن مطالب اللبنانيين الحياتية واليومية، كما دافعت عن كرامتهم، وعملت لتحقيق التغيير المنشود. لا ننسى كيف أقفلت كل مكاتب ومعامل كهرباء لبنان في يوم واحد لا سيما كل مكاتب أوجيرو اعتراضاً على الفساد والمحسوبيات. ولا ننسى كيف تم تثبيت تعرفة الخليوي على ١٥٠٠ ليرة بحكم قضائي انتصر للشعب وللثورة المحقة.

نعترف أن ثورة ١٧ تشرين لم تنجح في المحاسبة بعد. لم تزج الفاسدين في السجون ولم تعلق المشانق، ولم تغير العصابات السياسية الحاكمة. لكن المحاسبة ستأتي يوما، إن لم يكن لهذا الجيل نصيبا فجيل أولادنا أو أحفادنا سيشهد التغيير إن شاء الله.

لقد نجحت ثورة ١٧ تشرين بتحقيق خرق انتخابي نيابي بحصول لوائحها على حوالي نصف مليون صوت تفضيلي على امتداد الساحة اللبنانية. وبذلك تكون الثورة حققت رقما قياسيا تجاوزت كل الأحزاب التقليدية. فاز ١٢ نائب رغم أن الطموحات والتوقعات كانت أكثر بكثير. ولو اعتمدنا نظام النسبية لفزنا بثلث أعضاء مجلس النواب على الأقل. و نحن نعترف أيضاً أن نواب التغيير لم ينجحوا بعد ذلك بتشكيل كتلة نيابية موحدة ولا حتى قيادة موحدة. ولم يتفقوا حتى على أبسط القضايا بل أقحموا انفسهم في قضايا اجتماعية معقدة، مثيرة للجدل، وغير منتجة، كقضية حقوق المثليين والزواج المدني.

نعم، لقد تعرضت ثورة ١٧ تشرين لعوامل عدة أفقدتها قوة دفعها. أبرزها: الكورونا، أزمة انقطاع البنزين، الأزمة الاقتصادية الخانقة، وسرقة أموال المودعين. أُوقف الكثير من الناشطين وتعرض آخرون لإصابات ولخسارة عيونهم. اضطهاد وغزوات بلغت حد حرق الخيم في معظم ساحات الثورة، من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب مرورا بالجبل والبقاع ومدن عدة ابرزها طرابلس.

خلاصة الثورة، أنها قامت بمساءلة عشرات الوزراء والمسؤولين والمدراء العامين وفتحت عشرات الملفات. أسقطت حكومة أو أكثر، واجهت النواب التقليديين والعصابات الحاكمة وجها لوجه . اقتحمت عدد كبير من الوزارات والإدارات العامة وتظاهرت مرات عدة أمام قصر عين التينة وعلى مداخل القصر الجمهوري. أرعبت الثورة القيادات السياسية ومنعت عشرات المسؤولين من التواجد في المطاعم والأماكن العامة ولأول مرة بتاريخ لبنان اسقطت الثورة هالة الزعيم وهالة القائد السياسي إلى الأبد، لكن المرحلة المقبلة يجب أن تكون على شكل انقلاب ابيض لا عنفي على طريقة غاندي ومولر. على الثورة أن تتطور على شكل انقلاب تكتيكي استراتيجي وعلينا أن نعد العدة لانقلاب سلمي ابيض وتحديد ساعة الصفر.

اقتحمت عدد كبير من الوزارات والإدارات العامة وتظاهرت مرات عدة أمام قصر عين التينة وعلى مداخل القصر الجمهوري. أرعبت الثورة القيادات السياسية ومنعت عشرات المسؤولين من التواجد في المطاعم والأماكن العامة ولأول مرة بتاريخ لبنان اسقطت الثورة هالة الزعيم وهالة القائد السياسي إلى الأبد، لكن المرحلة المقبلة يجب أن تكون على شكل انقلاب ابيض لا عنفي على طريقة غاندي ومولر. على الثورة أن تتطور على شكل انقلاب تكتيكي استراتيجي وعلينا أن نعد العدة لانقلاب سلمي ابيض وتحديد ساعة الصفر.

اخترنا لك