بقلم بشارة شربل
على خطين لا يلتقيان سارت القمة العربية – الإسلامية، ولو أنّ الكفة رجَحت لمصلحة التعقل وإرادة توصيل الفلسطينيين الى حقوقهم عبر الضغط لفتح مسار السلام بعيداً عن عرض العضلات والتضحية بالآخرين على مذبح المحاور.
فمقابل التقاء الدول العربية على وجوب معاودة تعريب المسألة الفلسطينية وإحياء «القضية المركزية» التي دمّرها اجتياح صدام حسين الكويت عام 1990، وجهود «الجمهورية الإسلامية» الحثيثة عبر أذرعها لمصادرة الصراع مع إسرائيل وشحنه ببعد أصولي، تفرّد الرئيس الإيراني بالتغريد خارج السرب، مصرّاً على «مقاومات» تتجاوز الدول والكيانات وتستمرّ في رفع راية «الجيوش الموازية» التي تعتبر طريق القدس مارّة حُكماً بالولاء لـ»الولي الفقيه» ولمصالح طهران.
ولم يكن لبنان تحديداً أوفر حظاً في ازدواجية الخطاب. ففيما كان الرئيس نجيب ميقاتي يكرّر أمام قمة الرياض معزوفته المشروخة عن التزام الدولة اللبنانية قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي تتولاه، والذي صار «مَلطَشة» لـ»قسّام لبنان» ولمجموعات فرّخت بعد «طوفان الأقصى» تطلق صواريخ من هنا أو تتسلّل من هناك، شخَصت الأنظار الى الأمين العام لـ»حزب الله» الذي كرّس انفصام خطاب لبنان. فهو أضاف جرعة إلى قواعد «المشاغلة» التي أسقطت عملياً شرعيتي القرار الدولي وحق الدولة السيادي. فحصَر بنهج «الحزب» مقاربة الصراع مع إسرائيل رغم رفض الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الانزلاق الى الحرب، ومطالبة أكثر من نصفهم، في أقل تقدير، بأن يكونوا شركاء في القرار وأن تتولى الشرعية مسؤولية السلم والحرب استناداً الى المصلحة الوطنية العليا وبعيداً عن تنفيذ أجندات لها منطقها الإيديولوجي والعقائدي والسياسي الخاص.
لا خلاف على أن الإجرام الإسرائيلي وصل الى مداه في قصف المستشفيات وقتل الأطفال، وعلى أنّ التعاطف الذي جنَته الدولة العبرية عقب عملية 7 أكتوبر انقلب الى إدانة عالمية لبربرية جيش الاحتلال. لكن، ويا للأسف، علّمتنا التجارب، خصوصاً اجتياح بيروت عام 1982، كيف أن كلّ الرأي العام العالمي يَسقط أمام إصرار تل أبيب على تنفيذ استراتيجيتها ولو على بحر من الدماء. ولذلك فإنّ قمة الرياض زاوجت بين المطالبة الحازمة بوقف العدوان وكسر الحصار، وبين استعدادها للتعامل مع المشهد الجديد في القطاع الذي سيتبلور خلال أسابيع أو أيام وسيفرض مهمتين: معالجة الجروح وإعادة الإعمار، وترتيبات سياسية وأمنية تكون الشرعية الفلسطينية في صلبها، وتحظى خصوصاً برعاية الدولة المصرية الأقدر على تقديم الدعم والضمانات.
فلنكُن واقعيين ونترك المزايدات لأهلها. نحن أيضاً في لبنان سنكون أمام مشهد جديد. فسواء تدحرجت جبهة الجنوب الى اشتعال واسع أم حافظت على وتيرتها في انتظار انتهاء حرب غزة، فإنّ إسرائيل ستطالب لبنان في نهاية الأمر بترتيبات تتجاوز القرار 1701، ما يعني أنّ لبنان سيكون أمام وضع تفاوضي، إمّا يعيد إنتاج صيغة السلطتين على أرض الجنوب وفي كل لبنان ويبقي اللبنانيين رهائن في انتظار جولات عبثية جديدة بعدما فقد المحور «اللحظة الفلسطينية»، وإما أن تستعيد الدولة وحدها زمام الأمور فندخل مرحلة إعادة بناء القرار والمؤسسات وترسيخ وحدة الشعب على وقع نسخة الصراع العربي الإسرائيلي المُحدَثة التي تعيد قضية فلسطين الى حضنها الطبيعي، وتقدّم الواقعية على الشعارات، والتنمية على الإفلاس والانهيار، والمصالح الوطنية للدول على انفلات القوى الرديفة والمغامرات.