متعبٌ أنا… يا قائد، يا زعيم

بقلم غادة المرّ

نحنُ وصلنا إلى القعرِ .. إلى الأسوأ ..

إلى الجحيمِ . كلُّ شيءٍ فيكَ “يا وطني “حزينٌ.

إضحكوا .. إضحكوا بصوتٍ عالٍ حتّى تسمعَكم

كلُّ البنادقِ والصّواريخ ِومهندسي الحروبِ ،ضحكاتُكم كفيلةٌ أن تجعلَ من كلِّ بندقيّةٍ وطلقةِ مدفعٍ ..وردةً وقبلةً .

متعبٌ من جنونِ القادةِ..كم هم قبيحون

ولا يبالون بمآسي الشّعوبِ.متعبٌ من الآلامِ التّي

أشعرُ بها، وأسمعُ عنها كلَّ يومٍ ،في أرجاءِ العالمِ.

هل تستطيعُ فهمي ياقائد ..يا زعيم ؟أتشعرُ بوجعي ،معاناتي ومأساتي ؟

لم أعدْ أهتمُّ من سينتصر ..

من سيبتلعُ الأرضَ، الأرواحَ ،المغانمَ، النفطَ

والغازَ وكلَّ دسامةِ الصفقاتِ والأرباحِ .

لا يهمُّني ،بعد اليوم ِمن سينتصر .. أنا أرغبُ أن نعيشَ بسلامٍ وأمانٍ ، أن نحلُمَ ونفرحَ ونُبقي أرضاً وسماءً ووطناً

لا ولادنا وأحفادنا .

أن نحفظ لهم مساحةً كافيةً من الكرامةِ والأمانِ ، تتّسعُ

لاحلامهم .

عجيبٌ أمرُ أولئكَ الحُكامِ والقادةِ والزّعماءِ

الجامحين والمستبدّين..

كيف يمضون حياتَهم بالزّحفِ خلفَ أوهامِ تلك

الدّنيا الزائفةِ والفانيةِ.

يتقاتلون لأتفهِ الأسبابِ ..ينصبون، يأكلون مالَ

الفقراءِ واليتامى، يبيعون أوطاناً بأكملها ، يبنون

لهم من دموعِ و دماءِ الفقراءِ والشّعبِ

المسكينِ ،ويتناسون أنّها ليسَتْ لهم .

حفنةُ أغبياءٍ ، هم. لا يعلمون أنَّ المُلْكَ لله فقط، وهم ليسوا سوى حرّاس لفترةٍ زمنيّةٍ قصيرة

جدّاً ، على ثرواتِهم و أملاكِهم ونفوذِهم .

لماذا الآنَ .. تندلعُ الحروبُ ويوزّعُ السّلاحُ

وتطفو على السّطحِ الأحقادُ القديمةُ و النّزاعاتُ

العبثيّة ؟

جنونٌ وسمومٌ وأحقادٌ وكراهيَةٌ وتحريضٌ تغزو

وسائلَ الإعلامِ وتنتشرُ ..

أرواحٌ تُزهقُ بالعشراتِ على الجبهاتِ التّي

استُحدِثَت وبدأتْ تبتلعُ البشرَ والحجرَ .

الموتُ والدّمارُ في كلِّ مكانٍ. مدنٌ تدمّرُ بالكاملِ ،شعوبٌ تعيشُ الويلاتِ والنكباتِ وتعاني من

الاضطهادِ والتنكيلِ والمجازر َ ، بإسمِ الدّينِ والعقيدةِ والحزبِ وتقاسي من

لعنةِ التاريخِ و الجغرافيا .

الأرضُ شاسعةٌ.. وفيها متّسعٌ للجميعِ ،ما همّني إن تزعّمتِ الولاياتُ المتّحدةُ العالمَ وقادَتْه أمِ

الصّينُ!؟!

ما همّني إن سيطرَتْ روسيّا أم إيران !؟!إن توسّعَتْ وتمدّدَتِ الدّولةُ الفارسيّةُ أو

العثمانيّةُ!؟!

ما همّني إن وقّعَ العربُ إتفاقياتِ سلام ٍ وتطبيعٍ مع إسرائيلَ؟! إن ربحَ محورُ السّعوديّةِ

ومصرَ والخليجَ أو ربحتْ أوروبا أم تركيا ؟

سأحدّثُكم عنِ النّاجين وعنِ الشّعوبِ المقهورةِ ، الّتي تُزَجُّ وقوداً لهذه النّزاعاتِ والحروبِ.

سأحدّثُكم عنِ الضّرباتِ القاتلةِ الّتي تلحقُ بتلكَ الشّعوبِ الّتي تدفعُ ثمنَ تلك الحروبِ.

سأحدّثُكم عن الخوفِ الّذي يلازمُهم بقيّةَ

حياتِهم، وعنِ الحقدِ والغضبِ الّذي يعشعشُ في خبايا أرواحهم، الخوفُ من ضربةٍ جديدةٍ

وكيفَ فقدوا الشّعورَ بالأمانِ والفرح

و الطمأنينةِ و الحياةِ .

كيفَ خسروا أحبّةً لهم، وممتلكاتِهم وجنى أعمارِهم. وكيفَ ارتحلوا عن أوطانِهم و مدنِهم

و جذورِهم .

تلك المآسي ، علّمَتّهم القسوةَ والحقدَ وجعلتْ منهم أشباحاً مدمّرين، لا يعرفُ أحدٌ شيئاً عن

الأنقاضِ الّتي يحملونها بداخلِهم ، عن آلامِهم

وأوجاعهم وعاهاتٍ أخرجَتّهم من قطارِ الحياةِ .

حين تبدأُ الحروبُ .. تشتعلُ الجبهاتُ وتنقسمُ

المحاورُ، تبدأُ التّصاريحُ والصّورُ وأسماءُ المدنِ

و البلدانِ تتصدّرُ الشاشاتِ والأخبارَ وتغيرُ وقائعُ

الإنتصاراتِ والهزائم َ مصير الدّولِ والشّعوبِ.

وحدها صور الحرائقِ والدّمارِ ورائحةُ الموتِ

والدّموعِ تكتبُ النهاياتِ.

أتعلمون شيئاً أيّها الجنودُ المساكين؟

لقد أخبرُوكم ،قبلَ أن يدفعوا بكم إلى جحيمِ

الجّبهاتِ ، أنَّ لكم وطنَاً أشبهُ بالجنّةِ .. وأنَّ هناكثرواتٍ يجب أن تحموُها..

وأنَّ لديكم ما يسيلُ له لُعابُ الغزاةِ..و أنَّ لكم معالمَ وآثارَ وحضارةً،

وأنَّ لكم وطناً يستحقُّ هذه الحربَ والموتَ

ذوداً عن ترابِه.

والآن .. تتساءلون أين كلَّ هذا؟!

إنتهتِ الحربُ..

إتفقَ القادةُ.. ووقّعوا المعاهداتِ بأقلامٍ ذهبيّةٍ ، في غرفٍ مبرّدةٍ..

بينما الجنودُ يلملمُون ما تبقّىمن أشلائهم وأشلاءِ رفاقِهم. والنّاسُ يلملمون

جرحاهم ويدفنون قتلاهم ويبتلعون دموعهم

و خيباتِهم ويواجهون نكباتِهم بعدَ أن يكون

الكونُ قد ماتَ وانطفأتِ الحياةُ في عيونِهم.

إنتهتِ الحربُ..

لكنَّ الجنودَ ما زالُوا يسمعون دويَّ القنابلِ

وصوتَ إطلاقِ الرّصاصِ والقنابلَ. مزيدٌ من

القتلى و الجرحى والمعوّقين.

ويتساءلُ الجنودُ فيما بينهم ..لماذا؟؟

لقد إنتهتِ الحربُ وتصافحَ القادةُ وأعلنوا

الهدنةِ.

عندها ..يعلمُ أولئكَ المساكينُ أنَّ سريانَ وقفِ

النّارِ وإنتهاءِ الحربِ والمعاركَ ، يبدأُ بعدَ 12

ساعةٍ من توقيعِ قادَتِهم . لا يهمُّ من خسرَ

ومنِ إنتصرَ.. القادةُ في قصورِهم يحتفلون .

هؤلاءِ القادة…والزّعماءُ والحُكامُ الموتورون والمجرمون

والفاسدون ..

من يوقفُهم ؟؟

من يحاكمُهم على جرائمَ ارتكبوها بحقِّ أوطانِهم وشعوبِهم وبحقِّ البشريّةِ والإنسانيّةِ ؟؟

دعوا الأمّهاتِ تحكمُ الدّولَ وتُمسكُ بزمام ِ المسؤوليةِ وتقودُ العالمَ ، فتتلف الأسلحةُ

وتختفي الحروبُ ويعمُّ السّلامُ والأمنُ العالمَ ، لأنَّ المرأةَ والأمَّ، ترى الوطنَ بعيون حبيبها

وطفلِها . فلايمكنُ أن تفرّطَ بعيون ٍ يسكنُ فيها الوطنُ .

أنا متعبٌ يا قائدُ .. يا زعيمُ ! ماذا عنكَ ؟

فرأفةً يا زعيمُ بالوطنِ والبشرِ والحجرِ

اخترنا لك