العلامة الأمين : يمكن إنشاء جبهة “شيعية” معارضة… ونرفض المشاركة في حرب غزة
الشيعة في العالم العربي ينتمون بالدرجة الأولى إلى بلدانهم وشعوبهم، وهم ليسوا مواطنين إيرانيين
بقلم طوني بولس
تحدث العلامة علي الأمين عن تطلعات الشيعة اللبنانيين نحو بناء دولة عادلة، وأشار إلى أن “حزب الله” لا يستطيع أن يختزل الشيعة، مؤكداً أن سياسات الحزب ألحقت الضرر بهم وبلبنان، ولفت أيضاً إلى تأثير إيران في بعض الشيعة بالدول العربية، مؤكداً أن الولاء يجب أن يكون للوطن وليس لأي جماعات مرتبطة بالخارج.
مع انتصار “الثورة الإيرانية” في عام 1979 نجح الإيرانيون في إنشاء أول حكومة دينية شيعية في التاريخ. معهم، قامت أول دولة مبنية على العقائد الدينية “الشيعية” يحكمها فقهاء، وقامت بالتحديد على أحد الاجتهادات حول علاقة الدين بالسياسة، لا سيما أنه في الفقه “الشيعي” التقليدي لا يمكن إقامة الدولة العادلة إلا بعد ظهور الإمام المهدي. لكن المذهب “الخميني” أفتى بـ”ولاية الفقيه المطلقة”، وهي تعني امتداد ولاية الفقهاء إلى كل الجوانب السياسية التي تسري عليها ولاية نبي الإسلام والإمام المعصوم.
وفور إرساء “الثورة الإيرانية” دعائمها بدأت سياسة تصدير الثورة إلى الخارج. كان لبنان الذي يشهد حرباً أهلية الساحة المثالية للاستيراد. وتقاطعت ثلاثة عوامل هي شعور شيعة لبنان بأنهم مهمشون والصراع مع إسرائيل والدعم الإيراني، وأسهمت في عام 1982 في ولادة قوة سياسية – عسكرية شيعية منظمة هي “حزب الله”.
وبدعمها هذا الحزب دخلت إيران ساحة الصراع العربي – الإسرائيلي من باب عريض، مما ساعدها على مد نفوذها في العالم العربي، نظراً إلى ما تعنيه القضية الفلسطينية في الوجدان العربي.
الدخول الإيراني إلى المجتمعات الشيعية في الدول العربية فتح نقاشاً واسعاً حول إمكانية تحول ولاء المواطنين الشيعة من دولهم لصالح إيران التي تسعى إلى أن تكون مرجعيتهم السياسية والدينية والاقتصادية، وبرز “حزب الله” في لبنان كنموذج عن تصدير “الثورة”.
الولاء لإيران
وفي هذا السياق، أجرت “اندبندنت عربية” حواراً مع العلامة علي الأمين (مرجع ديني شيعي) الذي اعتبر أن الواقع اللبناني يظهر تماماً أن تطلعات “الشيعة” لا تختلف عن بقية الطوائف في لبنان، لناحية بناء دولة عادلة تتحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين، إلا أن تغييب الإعلام عن تطلعات مجموعة كبيرة من “الشيعة” وتركيزه نحو توجيه الرأي العام لصالح القوى الحاكمة في هذه الطائفة، يعطي انطباعاً أن جميع “الشيعة” مرتبطون بـ”حزب الله”.
ولفت الأمين إلى أن معارضته العلاقة بين “حزب الله” وإيران ليست بجديدة، بل تمتد عقوداً منذ ثمانينيات القرن الماضي، “فنحن رفضنا مشروعهم الذي يعتمد على بقاء السلاح خارج مؤسسات الدولة، والمخالف لمرجعية الدولة الوحيدة في قضايا الحرب والسلم والأمن والسيادة على أرضها وشعبها”، وقال أيضاً “يجب أن ندرك أن مشاركة بعض الأطياف الشيعية في السياسة لم تكن تعكس إرادة الشيعة ككل”، مؤكداً أن سياسات “حزب الله” المرتبطة بالمشروع الإيراني جلبت الضرر للطائفة “الشيعية” مع شركاء الوطن، إضافة إلى جر لبنان للمحور الإيراني والتدخل في شؤون الدول العربية، معتبراً أن ذلك أضعف لبنان باستخدام السلاح في دول عربية عدة، وكذلك داخلياً حيث استخدم في وجه الدولة والشعب، مشدداً على “أننا نحن العرب الشيعة جزء لا يتجزأ من شعوبنا العربية وولاؤنا لدولنا وأوطاننا”.
حرب غزة
وعبر الأمين عن رفضه مشاركة “حزب الله” في حرب غزة “لأننا نعتقد أن هذه الحرب لا تنفع أهل غزة وتضر بلبنان”، مشدداً على أن لبنان كجزء من العالم العربي يجب أن يكون جزءاً من أي قرار في شأن الحرب أو السلم في المنطقة “إذا اختار العرب الحرب، فسيكون لبنان جزءاً منها، وإذا لم يختاروا ذلك، فلن يكون بإمكان لبنان أن يكون وحده في هذه الحرب غير المهيأ لها”.
وأكد أن لبنان ليس مؤهلاً لهذه الحرب، ويجب أن يتحمل الجميع مسؤولية القرارات التي تؤثر في المنطقة بصورة عامة “فلا يمكن للبنان أن يتحمل وحده عواقب هذه الحروب ولا يجب عليه أن يفعل ذلك”.
“الثنائي الشيعي”
وعن تحالف “حزب الله” وحركة “أمل” وإمساكهما بقرار الطائفة الشيعية، لفت إلى أن الصراع بين الحزب والحركة انتهى منذ التسعينيات بتسوية تمثلت بولادة “الثنائية الشيعية” برعاية النظام السوري حينها، إذ بدأ اضطهاد الرأي الآخر، مشدداً على أنه على رغم ذلك بقي على مواقفه رافضاً بقاء السلاح خارج مشروع الدولة والهيمنة على الجنوب وبيروت وكذلك معارضة حرب يوليو (تموز) 2006.
وتابع العلامة علي الأمين “رفضت دائماً مشاريع الحرب وإطلاق الصواريخ على فلسطين المحتلة من لبنان، وكل الفصول التي تقحمنا في حرب غير متكافئة، كنت من القائلين إننا جزء من العالم العربي، فإذا اختار هذا العالم الحرب نكون جزءاً منه، أما أن نختار وحدنا الحرب فهذا غير منطقي لأنه يجعلنا في حرب غير متكافئة تأتي بالويلات على شعبنا من دون أي مكاسب، وبقيت أطالب بصعود الجيش اللبناني إلى الجنوب وانتشاره مع وجود قوات الطوارئ الدولية”.
المعارضة الشيعية
وعن إمكانية إنشاء جبهة “شيعية” معارضة في لبنان، كشف الأمين أنه يمكن أن يكون هذا أمراً محتملاً، إذ بدأ بعض الجماعات بالظهور على الساحة، “ومع ذلك، يجب علينا أن نشجع أي حركة تسعى إلى التعبير بصورة سلمية عن وجهات النظر المختلفة”، وأضاف “كان مشروع الدولة ورفض الحرب هو الرأي الغالب في الطائفة لكن عندما وقعت الحرب واشتدت سطوة الثنائي ارتبطت مصالح الناس بمن يسيطر عليهم، لذلك انخفض هذا الصوت ومنع أي صوت آخر ينادي بمشروع الدولة ودمج السلاح الخارج عن الدولة بمشروع الدولة”، وأشار إلى أنه يجب على اللبنانيين أن يكونوا واعين بأن السياسة التي يتبناها “حزب الله” قد تتسبب في تعريض لبنان للخطر، وقد تعزله عن المجتمع الدولي، “لذا يجب علينا التعاون والتضامن لحماية بلدنا من هذه الأخطار، ولا بد أن نسعى إلى إقناع الحزب بأن سياسته يجب أن تتغير لصالح مصلحة لبنان”.
الإبعاد القسري
وأكد أن “الشيعة” يجدون صعوبة في بناء معارضة حقيقية بسبب عدم توفر الحماية الكافية لحقوقهم في التعبير عن آرائهم، وقال على سبيل المثال، “عندما عارضنا الثنائي في حرب تموز 2006، وفي اجتياحهما بيروت في السابع من مايو (أيار) 2008، تم الهجوم على مقرنا في دار الإفتاء الجعفري وإبعادنا من مدينة صور بقوة السلاح، وما زلنا مبعدين عن الجنوب وعن مناطق سيطرتهم حتى اليوم”.
أضاف، “على رغم وجود الدولة وقوات الطوارئ الدولية، فإنها لم تتمكن من منع الأحزاب المسلحة من إقصائنا وإبعادنا عن ممارسة دورنا في الجنوب. وبعد أن تم إبعادنا إلى بيروت، لم نتمكن من استرجاع حتى بعض الأغراض الشخصية لنا، مثل مكتباتنا، ولم نستطع العودة لأداء دورنا في التوجيه والإرشاد في الجنوب حتى الآن لأن السيطرة هناك ليست للدولة ولا لقوات الطوارئ الدولية”، واعتبر أنه إذا لم يتمكن المواطنون من التعبير عن آرائهم خوفاً من الانتقام أو الإبعاد، فكيف يمكن أن نتوقع وجود تجمعات مدنية أو مرجعيات فعالة للرأي الآخر؟ ويجب على الدولة أن تلعب دوراً أكبر في حماية حقوق جميع المواطنين بما في ذلك حقوق الشيعة في التعبير عن آرائهم.
الشيعة العرب
وعن تأثير إيران على المواطنين “الشيعة” في مختلف الدول العربية، أشار الأمين إلى أنه بالنظر إلى الظروف السياسية والاجتماعية في بعض الدول العربية، يمكن القول إن إيران نجحت جزئياً في تأثيرها في بعض الفئات الشيعية، وشدد على أنه “يجب أن نفهم أن هذا التأثير ليس مطلقاً، وأن هناك جزءاً كبيراً من الشيعة يرفضون تلك الرؤية”.
وقال أيضاً “يجب أن ندرك أن هذه الأحزاب والجماعات التي نشأت في الدول التي ينتمي إليها الشيعة ارتبطت خصوصاً بإيران، لكن يجب أن نفرق بين هذه الأحزاب والجماعات وبين الشيعة بصورة عامة، فالشيعة في العالم العربي ينتمون بالدرجة الأولى إلى بلدانهم وشعوبهم، وهم ليسوا مواطنين إيرانيين”، وأكد أنه لا يمكن أن يعتبر حزب أو جماعة ممثلاً لفئة دينية بأكملها، ومثال على ذلك هو جماعة “الإخوان المسلمين” وهو من أكبر الأحزاب الدينية في مصر والعالم الإسلامي، لكنه لم يختزل الشعب المصري والشعوب الإسلامية، فلا يمكن اعتبار “الإخوان” ممثلاً للمذهب السني بأكمله.
وأشار إلى أن الشيعة “العرب ولاؤهم لأوطانهم، لكن هناك بعض التجمعات الحزبية التي نشأت بدعم النظام الإيراني تحاول ربط الشيعة بالمشاريع السياسية خارج أوطانهم وهو خطأ كبير لا يتحمل وزره وتبعاته كل الشيعة، بل تتحمله تلك الأحزاب المرتبطة بالخارج، ولا يصح أن يختزل حزب طائفة عريقة وعريضة ويجعلها ذات رأي موحد، وعموماً أبناء الطائفة الشيعية مرتبطون بأوطانهم ودولهم وشعوبهم وهذا ما يجب أن يكون عليه الأمر، لذلك نرفض ان يكون هناك ارتباط خارج حدود الوطن بأي مشروع سياسي”.
ولفت إلى أن روابط المذاهب والأديان موجودة بين الشعوب ولكن يجب ألا تكون على حساب الأوطان، “فأوطاننا يجب أن نرتبط بها ونحافظ عليها، والأنظمة السياسية التي آمنا مع شركائنا في الوطن بها يجب أن يكون ولاؤنا وطاعتنا لها وليس لأنظمة أخرى سواء إيران أو غيرها، ويجب أن ينتبه الشيعة إلى هذه الأحزاب وتلك الجماعات وألا ينخرطوا بها لأن لها مشاريع سياسية خارج حدود الوطن. فالولاء يجب أن يكون للوطن والدولة، وليس لأحزاب وجمعيات مرتبطة بالخارج”.