النزوح السوري تهديد كيانيّ… البلديات خط المواجهة الأول

بقلم أمين القصيفي

غير أن كل تلك المحاولات تسقط أمام الوقائع التي تفضح تخاذل الدولة اللبنانية منذ البداية والذي أوصل أزمة النزوح السوري إلى هذا المستوى الكارثي والخطر الوجوديّ الكيانيّ. فعدم تطبيق القوانين اللبنانية لحماية المصلحة اللبنانية العليا من دون تردد منذ بداية النزوح، أوصلنا إلى الكارثة التي يعاني منها الشعب اللبناني اليوم على مختلف الصعد نتيجة النزوح السوري.

من واجب الدولة، أي دولة، الحفاظ على أمن مجتمعها واستقراره بمواجهة أي تهديد أو خطر من أي نوع كان، وإلا تكون أخَّلت بواجبها الأول تجاه شعبها. بالتالي الحفاظ على أمن واستقرار الإنسان اللبناني يجب أن يشكل أولوية للدولة اللبنانية بغض النظر عن أي ضغوط من هذه الجهة أو تلك، لأنها صاحبة السيادة على أرضها ومن واجبها مواجهة أي أزمة تهدِّد شعبها. علماً أن الحفاظ على الأمن الإنساني والاستقرار لأي شعب هو من واجب كل دولة تجاه مواطنيها بحسب قوانين وأنظمة الأمم المتحدة بالذات، وهو بمساواة توفير حقوق الإنسان لهم. هو يشمل، بالتعريف، الأمن البيئي والاقتصادي والاجتماعي والصحي والغذائي والشخصي فضلاً عن الأمن السياسي. بالتالي من الثابت المخاطر التي بات يشكلها النزوح السوري على الشعب اللبناني وتقاعس الدولة عن واجبها.

الباحث في السياسات العامة وشؤون اللجوء والهجرة زياد الصائغ، وفي حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، يقول: “ما نحن فيه اليوم من تداعيات كارثية ومخاطر وجوديّة كيانيّة جرّاء أزمة النزوح السوري، يأتي نتيجة تخلّي الدولة اللبنانية عن مسؤولياتها في تنظيم وفود ووجود النازحين السوريين منذ العام 2011 بحسب القوانين المرعية الإجراء، بالإضافة إلى ترك الحدود سائبة، وعدم توقيع مذكّرة تفاهم مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، من ضمنها طرح مسار العودة كحق لهؤلاء النازحين وواجب على النظام السوري، هذا أولاً”.

أما ثانياً، فيضيف الصائغ: “فهو فشل المجتمع الدولي في تحقيق حلّ سياسيّ في سوريا بحسب مندرجات القرار 2254، كما عجز جامعة الدول العربية عن تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه مع النظام السوري منذ نحو عام، وفي صلبه تسهيل عودة النازحين. في المحصّلة، يدفع الشعب اللبناني المضيف ثمن ذلك وثمن العجز على المستويات الاقتصادية والاجتماعية إلى حدِّ تهديد هوّية لبنان الديموغرافية”.

عن إمكانية بلورة حلول عملية في هذا السياق، يشير الصائغ إلى أن “المدخل الأساسي للمعالجة بات بتولّي البلديات، بما هي السلطات اللامركزية، تطبيق القوانين المرعية الإجراء ومنع أي نازح بوجود غير شرعي ضمن النطاق البلدي، لكن أيضاً التزام القطاع الاقتصادي بكافة تشكُّلاته بعدم الاحتكام إلى عمل السوق السوداء. هذا يتطلَّب إعادة النظر بكل ما حَكَم عمل السوريين في لبنان، منذ العام 1991، أي العودة إلى نظام الإقامة وإجازة العمل”.

يتابع الصائغ: “يبقى أن تصنيف داتا النازحين بين نازح/ة وعامل/ة، أساسيّ، مع تحديد من يمكن أن يعود وإلى أين، وبأي آليات تُسهِّلها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ضمن مهل زمنية محددة، مع أهمية اعتماد دبلوماسية مبادِرة خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي لوضع العودة كأولوية غير قابلة للتفاوض، لكن بمسار تعاونيّ لا اشتباكيّ”.

الصائغ يختم سائلاً: “لِمَ لَم نُقم مراكز إيواء مؤقتة حدودية منذ العام 2012، لكنّا تفادينا حالة الفوضى والخلل والخطر وسهَّلنا العودة؟. ولِمَ لا يتم تسهيل عودة حوالى 600.000 نازح سوري إلى مناطق القلمون والزبداني والقصير وامتداداتها؟. ولِمَ لَم يذهب لبنان بملف متكامل إلى مسار مفاوضات جنيف للتأكيد على أولوية عودة النازحين السوريين؟. فلنبتعد عن التشنج إذ ثمة من يسعى لتفجير الوضع من بوابة هذه الأزمة. حمى الله لبنان”.

اخترنا لك