هل من ترابط بين محاكمة رياض سلامة والاستحقاق الرئاسي المعطل إنجازه ؟

كتب داود رمال

يعد توقيف رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان السابق، لحظة تاريخية في مسار السياسة اللبنانية، ليس فقط لأنه يشير إلى أولى خطوات محاسبة أحد أبرز رموز النظام المالي الذي هيمن على البلاد لعقود، بل أيضا لأنه يأتي في توقيت حساس، بالتزامن مع الجمود السياسي الحاصل في لبنان، وخصوصا ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي.

سلامة الذي تولى منصب حاكمية المصرف المركزي منذ تسعينيات القرن الماضي، لعب دورا محوريا في إدارة الاقتصاد اللبناني وفق سياسات نقدية أثارت جدلا واسعا، خصوصا ما يتعلق بالهندسات المالية التي اعتبرت سببا رئيسيا في الأزمة الاقتصادية الراهنة.

وحول إمكانية الترابط بين ملف سلامة والاستحقاق الرئاسي، قال مصدر ديبلوماسي في بيروت لـ «الأنباء»: «ربما يرتبط توقيت توقيف سلامة في جانب أساسي منه بشكل مباشر بملف الرئاسة اللبنانية الذي يشهد تعثرا كبيرا بسبب الانقسامات السياسية الداخلية والتدخلات الخارجية. هناك العديد من الجهات الداخلية والخارجية التي رأت أن استمرار سلامة في منصبه كان يشكل حماية للطبقة السياسية التي استفادت من السياسات المالية التي ساعدت في تعزيز نفوذها، وبالتالي فإن المحاسبة الفعلية لسلامة قد تعني بداية لانهيار هذه المنظومة. وبالتالي، ينظر إلى محاكمة سلامة كمفتاح مهم لفتح ملفات فساد أوسع قد تتورط فيها شخصيات سياسية نافذة».

وأضاف المصدر «هذا التداخل بين الملفين، توقيف سلامة والاستحقاق الرئاسي، يفتح الباب أمام تساؤلات حول تأثير هذا الحدث على الانتخابات الرئاسية المتعثرة. فمن الواضح أن القوى السياسية التقليدية التي حالت دون انتخاب رئيس جديد حتى الآن، تجد نفسها في مواجهة ضغوط متزايدة من الداخل والخارج للمضي قدما في الإصلاحات ومحاسبة المسؤولين. هذه الضغوط قد تعزز من فرص وصول مرشح رئاسي إصلاحي أو على الأقل مرشح يحظى بتوافق دولي يدفع نحو إعادة هيكلة النظام السياسي مع الحفاظ على الدستور لا بل تطبيقه بجميع بنوده».

وأوضح المصدر انه «في حال تم استكمال التحقيقات المتعلقة بملف رياض سلامة وتوسيع نطاق المحاسبة لتشمل شخصيات سياسية وغير سياسية مرتبطة بالنظام المالي، قد نشهد بداية لانهيار هيمنة الطبقة السياسية التقليدية التي استمرت في السيطرة على السلطة منذ اتفاق الطائف، لأن كشف الفساد المتجذر في مؤسسات الدولة قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي اللبناني، خصوصا إذا ما تزامن ذلك مع ضغط شعبي وتأييد دولي لمحاسبة جميع المتورطين.

إلا أن بروز طبقة سياسية جديدة ليس أمرا مضمونا، فالنظام اللبناني معقد ومتداخل مع مصالح إقليمية ودولية، وقد تسعى بعض القوى إلى إعادة تدوير النخب السياسية نفسها بوجوه جديدة. ومع ذلك، فإن استمرار التحقيقات في ملف سلامة قد يشجع قوى جديدة، إصلاحية ومستقلة، على الانخراط بشكل أكبر في الحياة السياسية، خصوصا إذا ما توافرت الإرادة الداخلية والدعم الدولي لإحداث تغيير فعلي».

وأشار المصدر إلى ان «السؤال المحوري هنا هو: هل سيفضي ملف سلامة إلى إسقاط الطبقة السياسية الحاكمة وفتح المجال أمام قوى جديدة، أم أننا أمام محاولة لإعادة تدوير نفس الوجوه بطرق جديدة؟»، وتابع «الإجابة تعتمد إلى حد كبير على مدى تقدم التحقيقات، وكيفية تعامل القضاء اللبناني مع الملفات المرتبطة بالفساد. فإذا ما نجحت التحقيقات في كشف تفاصيل أوسع عن شبكات الفساد، ومع الضغط الشعبي والدولي، فقد يكون من الصعب على القوى التقليدية الاستمرار في فرض سيطرتها بالأساليب القديمة».

ورأى المصدر انه «في النهاية، توقيف رياض سلامة ليس مجرد حدث قضائي، بل هو تطور سياسي يحمل في طياته احتمالات عدة. وإذا ما استمرت التحقيقات وكشفت كل التفاصيل، قد نشهد بداية تحولات كبيرة في النظام السياسي اللبناني. ولكن هل سيؤدي ذلك إلى بروز طبقة سياسية جديدة تماما أم مجرد تغيير في الوجوه؟ ويبقى الجواب رهن التطورات المقبلة».

اخترنا لك