سنة على “طوفان الاقصى” : موت وهذيان

بقلم غسان صليبي

في ٧ تشرين ٢٠٢٤، الذكرى الاولى ل”طوفان الاقصى”، لم يغادر الطرفان ٧ تشرين ٢٠٢٣ مع ان المشهد انقلب رأسا على عقب: القتلى أصبحوا في غزة والإنجاز التكنولوجي عاد الى اسرائيل، بعد أن هللنا للانجاز التكنولوجي لحماس في عملية “طوفان الاقصى”، واحصينا القتلى في الجانب الإسرائيلي.

في الذكرى الاولى، لا زال الاسرائيليون ينظمون اللقاءات الحزينة استذكارا لقتلاهم ويستعرضون المجازر التي قامت بها حماس والتي ادت الى مقتل ١٢٠٠ شخصا، وكأنهم لم يقتلوا بعد ذلك حولي ال٤٥ الف فلسطيني. بالمقابل لا زالت حماس ومحور “الممانعة” يهللون لعملية “طوفان الاقصى”، كنقلة نوعية في مسار التحرر الوطني من الاحتلال، وكأن اسرائيل لم تعد وتحتل كامل غزة بعد العملية، بعد ان كانت قد انسحبت منها قبل العملية، وكأنها لم ترتكب ابشع المجازر، أطلقت عليها حماس نفسها وصف “الابادة الجماعية”، في إعلان صريح أن شعب غزة مهدد بالانقراض ومعه القضية الفلسطينية.

اما على الجانب اللبناني، فالطرفان يعلنان الانتصار، اسرائيل اليوم و”حزب الله” غدا، رغم ان اسرائيل لم تحقق بعد تقدما يذكر في غزوها البري للجنوب، فيما “حزب الله” بات اليوم يحتاج الى من يسنده في حرب “اسناد غزة”، بعد أن تآكلت قدرته على ردع الاعتداءات الاسرائيلية التي دمرت وتدمر بنيته التنظيمية وعتاده العسكري.

فقد اصدر “حزب الله” بيانا في الذكرى السنوية ل”طوفان الاقصى” اعترف فيه بالأثمان الباهظة- عليه وعلى شعبه- للحرب التي اطلق شرارتها الاولى، مؤكدا على ثقته “إن شاء الله” بقدرته على صد العدوان، وبقدرة شعبه- المهجّر والمنهك والفاقد لابسط مقومات الحياة- “على الصبر والصمود”، “فقد ولى زمن الهزائم وجاء نصرالله”.

في الذكرى الاولى ل”طوفان الاقصى”، أظهرت استطلاعات الرأي في اسرائيل أن اكثرية اسرائيلية تعتبر أن اسرائيل خسرت الحرب في غزة، فيما اعتبر الناطقون بإسم “الممانعة”، انهم حققوا ويحققون الانتصارات في غزة وفي لبنان، رغم ان الإحصاء الموضوعي للخسائر البشرية والمادية، يفترض أن يكون الرأي معكوسا عند الطرفين. وكأن الربح والخسارة لا علاقة له بالارواح وبالممتلكات في غزة وفي لبنان، بل بمسألة وحيدة: بالنسبة للطرفين، لإسرائيل ولل”ممانعة”، اذا ماتت غزة او مات لبنان وبقي عنصر واحد من حماس او من “حزب الله” حياً، خسرت اسرائيل وانتصرت “الممانعة”. ولسخرية القدر، هذا المعيار الوحيد للربح او للخسارة وضعه نتنياهو، وتبنتاه المقاومتان، عندما حدد هدفين لحربه في غزة وفي لبنان، وهما القضاء على حماس وعلى”حزب الله”.

انه الموت والهذيان، موت يولّد الهذيان وهذيان لا يستدعي الا الموت.

موت وهذيان برعاية ايرانية دقيقة وحثيثة، اذ يستمر المسؤولون الايرانيون، فيما هم يحرصون على عدم توريط ايران مباشرة، في حث اللبنانيين والفلسطينيين على التضحية بحياتهم وببلادهم كرمى لمصالح ايران، رغم الخسائر الفادحة على الجانبين اللبناني والفلسطيني، وضعف المقاومتين العسكريتين الفاضح في مجال ردع آلة القتل الاسرائيلية، والافق شبه المسدود امامهما لتعزيز قواهما.

واذا ما قرر المسؤولون اللبنانيون الخروج من دوامة الموت والهذيان، والمبادرة الى إيجاد حلول دبلوماسية للحرب وحلول دستورية لأزمة الرئاسة، تدخلت إيران بقوة لردعهم والإصرار على اعادتهم الى الدوّامة العبثية، ربما لحين انجاز صفقة اميركية- ايرانية، قد تتأجل لما بعد الانتخابات الأميركية.

هل من الممكن معاكسة الإرادة الايرانية لمحاولة التخفيف من الوحشية الإسرائيلية وربما تقليص الخسائر في الأرواح والممتلكات، هذا اذا كان مثل هذه المحاولات يؤدي إلى لجم نتنياهو الذي يحاول بدوره تحقيق الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل مستفيدا من الظرف المؤاتي دولياً؟

في جميع الاحوال، لم يعد جائزا تفادي طرح السؤال الأخطر في ذكرى عملية “طوفان الاقصى” وما آلت اليه: هل لا تزال المقاومة المسلحة لإسرائيل الخيار الافضل لشعبي لبنان وفلسطين؟

لن اناقش في هذا النص احتمال وصلاحية حلول المقاومة المدنية مكان المقاومة المسلحة في ظل اللاتوازن العسكري الفاضح لصالح اسرائيل، سأكتفي بالسؤال اذا كانت المقاومة المسلحة تفترض التضحية بكل المؤسسات المدنية، في فلسطين ولبنان، ام أن الدفاع عن الشعب والوطن بوجه اسرائيل يتطلب حكما وجود حكومة وطنية في فلسطين ورئيس جمهورية في لبنان؟ وحدها دوامة الموت والهذيان تنفي جدوى الخيار الثاني، وضرورته.

اخترنا لك