١٧ تشرين… الحلم الضائع

مشروع ذاكرة بقلم أنطونيو فرحات

محامي و ناشط سياسي

استبداد، لامبالاة، غطرسة، محسوبيات، سمسرة، فساد، تسلّط، استئثار بالسلطة، استغلال نفوذ، إتباع سياسة تجويع الناس لإلهائهم بقوتهم… وغيرها من الأساليب التي اتبعتها المنظومة الحاكمة على مدى سنين طوال أدّت إلى احتقان الشعب بحيث كان كالبركان الهامد انفجر في ١٧ تـ ١، ٢٠١٩.

قد يحلو للبعض أن يوصف مشهديه ١٧ تشرين على أنّها إنجاز سفارات، وقد يحلو للبعض الآخر أنّ يهشّم في أهميتها، لكن الحقيقة المطلقة أنّ لبنان قبل ١٧ تشرين ليس كما بعده.

وللغوص أكثر بأسباب ١٧ تشرين التي بدأت بمكان ما، منظماً وليس عفويًّا الغاية منه الاستئثار أكثر فأكثر بالحكم حتّى ما لبثت وأن أصبحت ثورة وطنية شعبية، ثورة بوجه الظلم والفساد، ثورة بغية إحقاق الحق، ثورة لاسترداد ما سلب من الشعب بقوة المناصب، ثورة لأنّ الشعب لديه مطالب محقّة اغتصبتها المنظومة عنوة بهدف تأمين استمراريتها بالحكم. ثورة قلبت السحر على الساحر.

نعم، لم تبدأ ثورة ١٧ تشرين شعبية غير أنّها وبساعات قليلة تحوّلت إلى صرخة وطن بعيدة عن الطائفية أو المناطقية فكان صباح ١٨ تشرين ليس ككلّ صباح.

فالشارع غدا ملاذ المواطنين للتعبير عن آرائهم ومطالبهم بطريقة سلمية وهنا بدأت المنظومة تتخبّط فيما بينها، وتتآكلها مخاوف المحاسبة واسترداد مشروعيتها.

غير أنّ الخبرة والحنكة السياسية لدى المنظومة كانت أهمّ من المطالب الشعبية المحقّة بحيث عرفت المنظومة كيف تستوعب تلك الثورة وتهمّشها وتضربها في صميمها وكيف تخنقها في مهدها. فمن جهة زرعت أزلامها بين المجموعات لتخلق الفتن بين الثوار، ومن جهة ثانية تعاملت مع بعض صغار النفوس على الوتر الذي يضعفون أمامه وكان لها ما أرادت.

إضافة إلى ما تقدم، لم يكن للثورة قائد وقيادة وهذا من أكبر اخفاقاتها الأمر الذي تجلّى مع مرور الأيام، لأن كلّ واحد مستحق أم غير مستحق اعتبرها فرصة للتسلق على السلطة، وليكتب اسمه في أمجاد التاريخ. فغير المستحق اهدر فرصة التغيير الحقيقية عملاً بالقول السائد الفاجر أكل مال التاجر.

وعليه، إنّ عدم التنظيم خلق مساحة واسعة للمنظومة الحاكمة بسهولة التلاعب ببعض المجموعات لإفراغ تحركاتها من مضمونها.

غير أنّه وعلى الرغم من تلك الإخفاقات نتج عن ثورة ١٧ تشرين نهج جديد لدى السلطة الحاكمة بحيث تيقنت ضرورة إشراك المجتمع المدني في الحكم والسعي إلى تأمين السمسرة بطريقة احترافية أكثر، لأنّها علمت أنّ أخطاءها وتصرفاتها أصبحت تحت المجهر.

إضافة إلى ذلك ومن أهم الإنجازات خرق العديد من المرشحين الندوة البرلمانية ليكونوا الصوت الصارخ من داخل المؤسسات الدستورية.

وليكونوا المدماك الأساسي للانتخابات القادمة بالفوز بأغلبية المقاعد، إن أحسنوا التصرف والأداء ولم يضعفوا أمام المغريات، لذلك سعى هؤلاء النواب إلى التكتل مع الأحزاب السيادية الأقرب إلى توجّههم وخلق حالة اعتراضية حقيقية بوجه مغتصبي السلطة، سيّما وان أداؤهم ( أي مغتصبي السلطة ) بتعطيل المؤسسات الدستورية وشلّ العمل النيابي وتفسير الدستور بما لا يتلاءم ورحويته لخير دليل على ذلك.

يتجلّى بكلّ بلدان العالم أنّ الديمقراطية تقتضي القبول والاعتراف بأكثرية تحكم وبأقلية تعارض بطريقة بنّاءة. الأمر غير المفهوم لدى الساسة المتحكمين بالبلد.

بالخلاصة، إنّ ١٧ تشرين حلم عاشه اللبنانيون بآمال كبيرة وبأحلام ببناء وطن يليق بأبنائه وعلى الرغم من النكسة بعدم اكتمال ما بدأ وإنجاز ما سُعِيَ إلى تحقيقه من إرساء الجمهورية القوية القادرة العادلة الواحدة، غير أنّ تاريخنا شاهد على العديد من تلك النكسات كما هو شاهد على الإصرار لبناء وطن حرّ سيّد مستقل بكل ما للعبارة من معنى يجمع في ربوعه الكافة من مختلف الطوائف والمشارب.

فلبنان الواحد الموحد كان وسيظل يجمعنا.

اخترنا لك