لا يزال المخرج المتميز سعيد الماروق يسعى دون كلل وتعب إلى تقديم ما هو مختلف عن السائد في لعبة الكاميرا، وما هو لصالح الرؤية الاخراجية المنافسة والناجحة في عالم الفيديو كليب العربي، وجديده الذي شاهدناه في عرض خاص دليل جدي على أن هذا المخرج يدمن السينما بجنون، ويتنقل من تجربة إلى تجربة بحثاً وتنقيبا عن اضافة تثبته الافضل كما لو كان في تنافس مع نفسه.
جديده فيديو كليب صور ونفذ في بيروت برؤية سينمائية للمطرب معين شريف بعنوان : قطعلي قلبي، كلمات والحان فارس إسكندر، وبطولة الين لحود، و توزيععمر صباغ، وانتاج معين شريف، ومساعد مخرج عبدو حداد.
تعمد سعيد الماروق ان يقدم صورة بسيطة ترتكز على طبيعة وجماليات مدينة بيروت، بحث عن زوايا غير مستهلكة بصريا، واضاف إليها قصة حب ناعمة بين شاب مشهور وثري، وفتاة جميلة يعيشان اجمل لحظات علاقتهما إلا ان ظروف ما تعيق الاستمرار، وتوقع القطيعة.
لا جديد في قصة لا تعرف الافول، وتعاد مع كل جيل، وبصور تكاد تكون ذاتها عاطفيا، ولكن الجديد هنا يأتي في تجسيدها من قبل مخرج يعشق الصورة، ولا يؤمن بالنقل الساذج لمشاهده، ويضع رؤية اخراجية، ويخطط لتنفيذها بمسؤولية. اليوم، وبعد الاختصاص والعلم في مجالات الفن والابداع لا مجال للارتجال او للعمل الانشائي السطحي، ونظام التعلم بالناس فنيا من الامور الغبية، ومن غير المجدية في ظل البدائل والمشاهد الناقد، لذلك لم يعد مهما وضع رؤية اخراجية فنية مع انها مطلوبة ولا بد منها، بقدر اهمية كيفية تنفيذ الرؤية، وهذا ما يميز سعيد الماروق عن غيره، ويجعله في الصفوف الاولى، من هنا استطاع ان ينقل قصة حب متداولة إلى الشاشة بخلفية بصرية مغايرة للمألوف رغم بساطتها، واجمل ما في هذا العمل البساطة في نقل الاحداث مضاف إليها اللمسات السحرية في مشهدية الكاميرا وما تلتقطه، إذ لا يقع نظر المشاهد على ما هو يسيئ لجمالية اللقطة، ويخدش البصر بل يضيف إليها الاهتمام بكل تفاصيل السينوغرافيا المطلوب نقلها داخل المربع، وتفاصيل المشهد العام بديكوراته الطبيعية التي ستلتقطها العدسة الجامدة لتصبح جزأ من حركة ابداعية هادفة، ويصبح البطل والبطلة هما جزأ منها وليس فرضا دون الاكتراث لطبيعة تنفيذ الفكرة ومحيطها.
كما ان الطريقة التي ادار فيها المخرج ابطال العمل معين والين تحسب للعمل ككل، وتأتي ضمن الحدث وليس اقحاما لمشاهد عابرة، تعامل معهما بذكاء وتواضع، واصر ان تكون خطواتهما نابعة من عفويتهما، وطبيعتهما وطفولتهما في تصرفاتهما، وكان جليا تعامل المخرج مع اناسه باحترام واحتراف واقتدار حتى يصيب الانسجام مع فريقه، وبذلك يضمن روحية المشاركة، وطيب الانفعال والتعامل، وايضا اهتم وبدراسة بكل زاوية سيلتقطها، وسيكون بطلاه فيها، وعمق حركتهما بشرحها لهما كما لو سيقفان على خشبة المسرح، وهذا جعلهما يرتاحان في تجسيد خطواتهما وحركاتهما بعيدا عن التكلف، وفرض انسجاما واضحا بين معين والين في المشهد حتى غدنا نصدق ان ما نشاهده حقيقة وليس تمثيلا لكثرة الواقعية المعبرة.
سعيد في هذا العمل تعمد ان لا يقحم مشاهده بحركات تعبيرية سريعة، او بظلال لمشهد هوليودي فيه كثافة المجاميع والاشكال والرقصات المجنونة كما حال غالبية ما يقدم اليوم حتى يقال” المخرج هوليودي”، بل تعمد التقاط المشهد البسيط والغني بتعبيراته الرومانسية الواقعية بعيدا عن فرض عضلاته الهوليودية، وهو الخبير فيها، مشاهد تساعد البصر على متابعة ما يضيف إليه حالة جمالية بعيدا عن سذاجة المشهد، ولا يزال سعيد يعتمد في مشهده على فكرة تعمق الحدث، وتزيده تأثيرا ولا يؤمن بفكرة “صور واستريح، والسوق عاوز كدة”، وهذا ما فرض لغة “ماروقية” بامتياز، ومختلفة في عالم الفيديو كليب القريب إلى السينما.
الفنانة الممثلة والمغنية الين لحود في افضل حالاتها، مطواعة، ذكية تعرف اسرار الكاميرا وما تلتقطه، ولا تقف امامها بعباطة، وتقدر موهبتها لذلك تتجاوب مع كل ملاحظات المخرج، من هنا وفقت بمشاهدها العديدة والرئيسية.
“قطعلي قلبي يعيد معين شريف إلى الواجهة، والمنافسة بعد ان ابتعد بارادته عن النجومية الفنية لاسباب خاصة، ومنها انغماسه بالقضايا السياسية على حساب مشواره الفني، من حقه أن يكون له رأيه السياسي ومواقفه المسيسة، ولكن ليست على حساب موهبته، لا بل معين أهمل نجوميته على اكثر من صعيد، واهتم باطلالاته وتصريحاته النقدية المسيسة، واحيانا نقدية فنية في غير محلها، وليست مطلوبة مع زملاء دربه ومن سبقه كما لو كان مشبعا بتجربة طويلة اوصلته إلى استذة عمرها من عمر الكبيران وديع الصافي وصباح مما ابعده عن خط المنافسة والاستمرارية في نجومية يخفت وهجها اذا لم تتفانى لها.
معين لا تنقصه الموهبة، فهو من اصحاب خامة صوتية جلية تصل إلى ابعد مداها، وتؤدي بمقامات حادة ولطيفة باقتدار وسلاسة، وبتجرد نقول انه من اخطر المطربين العرب الحاليين وليس المحليين فقط لكونه يمتلك طاقة صوت قوية، وبمساحات صوتية تعجز الوصول اليها اصوات اخرى كثيرة، وحتى انه في جواب الجواب يصل الى طبقة حادة ويبقى صوته سلسا بعكس البعض الذين ان وصلوا الى تلك الطبقة يصبح صوتهم حادا مزعجا وبعيدا عن التطريب، يملك احساسا جيدا وعربا متنوعة يستعملها في مكانها الصحيح، ومشكلة الفنية انه عندما يغني لأم كلثوم او حتى لوديع الصافي بتصرف تلحظ في اسلوبه للغناء كأنه يغني العتابا والموال، واحيانا يستعرض قوة صوته في المكان غير الصحيح .
وايضا لديه شخصية غنية بجمال الروح والشكل معا ينقصها الابتعاد عن النقد المباشر، والتخطيط السليم، والنزول إلى الساحة بجديد مدروس ومغاير عن السائد.
وفي هذه الطلة الجديدة لمعين مع سعيد الماروق، والتي ستوزع خلال ايام على أكثر من فضائية لبنانية وعربية نجده هنا مختلفا، وجاذبا بصورة جلية وانيقة وواثقة، ومدروسة لمعين المطرب النجم، أي نحن امام شخصية حاضرة وناجحة رغم ملاحظتنا على الاغنية وطبيعتها، وتحديدا من جهة اللحن مع لفت النظر إلى كلماتها الرائعة وشعبيتها، ولكن الاخراج الجدي في هذه الحالة انجح العمل بصريا، وسيوصلها إلى كل منزل وجيل بمختلف الاعمار، وابعدنا عن نقد الاغنية التي تبدأ بموال رومانسي غاية بالجمال لتدخل بسرعة بايقاع شعبي اكثر من مألوف، وروحه بقاعية تتكرر مع كل ما هو سائد اليوم من غناء يشبه موجة ما يقدمه كل من علي وحسين الديك وملحم زين المنافس الاول لكل من يغني الطرب وهذه النوعية من الغناء الشعبي المتمكن !
جهاد أيوب