ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد على مذبح الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي “كابيلا القيامة”، عاونه فيه لفيف من المطارنة والكهنة، حضره رئيس مجلس القضاء الاعلى جان فهد، قنصل مولدافيا ايلي نصار، الشيخ يوسف ابراهيم كنعان وعائلته، رئيسة حزب الخضر ندى زعرور، أعضاء اللجنة الأسقفية للتعليم المسيحي والهيئة الكاثوليكية، أعضاء مؤسسةAPOSTOLICA، وفد من رابطة الأخويات وحشد من المؤمنين.
العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “أنت هو المسيح ابن الله الحي” (متى16: 16)، قال فيها: “تحتفل الكنيسة اليوم بعيد تقديسها، وتبدأ معه السنة الطقسية الجديدة، التي تتمحور حول سر المسيح، من ميلاده ودنحه وصومه، إلى آلامه وموته وقيامته، لفداء الإنسان وبث الحياة الجديدة فيه، فإلى إرساله روحه القدوس لحياة الكنيسة، وأخيرا إلى السَير في ظل صليبه الخلاصي نحو الوطن السماوي. اليوم نعترف بالكنيسة المقدسة، لأن اللهَ القدوس حالٌ فيها، ويجعلها جماعة القديسين المقدَسين بنعمة المسيح وحلول الروح القدس. فنعلن مع بطرس الرسول إيماننا بالمسيح مؤسسها ورأسها: “أنت هو المسيح ابن الله الحي” (متى 16: 16)”.
أضاف : “يسعدني أن أرحب بكم جميعا، وأن نحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية وتجمعنا فيها ثلاث مناسبات، بالإضافة إلى العيد الطقسي.
يقام في هذا الأحد، كمناسبة أولى، “يوم التعليم المسيحي في الشرق الأوسط” الذي تنظمه اللجنة الأسقفية للتعليم المسيحيوالهيئة الكاثوليكية، وتضعانه تحت شفاعة القديسة الأم تريزا دي كالكوتا، أم الرحمة والسلام. وتختاران بالتالي موضوع “السلام” لهذا اليوم، للتأمل فيه ولالتماسه من المسيح “إله السلام”، فيما الحروب تدمر الحجر والبشر في بلدان الشرق الأوسط منذ خمس سنوات. في “يوم التعليم المسيحي” الذي يمتد طيلة الأسبوع التالي في المدارس، نتأمل في إنجيل السلام الذي يعطي سلام القلب والضمير، ويرسلنا لنكون رسل سلام وبناته في العائلة والمجتمع والدولة: “طوبى لفاعلي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون” (متى 5: 9). فإني أحيي رئيس اللجنة الأسقفية سيادة أخينا المطران ميخائيل أبرص، وأمين عام الهيئة الكاثوليكية عزيزنا الأب كلود ندرا الراهب اللبناني الماروني، وجميع العاملين في هاتين اللجنتين والهيئة والمتعاونين”.
وتابع: “المناسبة الثانية هي إحياء مؤسسة Apostolica لعيدها السنوي، وإطلاقها مشروع “التنشئة الدينية لمسيحيي الشرق الأوسط عبر الانترنت”. تتناول مواد هذه التنشئة ستة مواضيع أساسية: بنيان الشخصية المسيحية، علم الإنسان (الأنتروبولوجيا)، الكنيسة والعقائد المسيحية، الكتاب المقدس، تعليم الكنيسة الاجتماعي، الإدارة. نأمل أن يستفيد الجميع من هذه التنشئة الدينية بالتقنيات الحديثة. إني أحيي رئيس المؤسسة سيادة أخينا المطران عاد أبي كرم ومعاونيه فيها وفي إعداد مواضيعها”.
وقال :” أما المناسبة الثالثة فهي تبريك مزار العذراء في الباحة الخارجية الذي تكرم بتقديمه عزيزنا الشيخ يوسف ابراهيم كنعان وعائلته. فنشكره من صميم القلب على هذه التقدمة التقوية، ونحيي معه السيدة زوجته وأبناءه الأربعة وابنتيه وعائلاتهم، ونخص من بينهم نجله المحامي بول الذي كان يتابع أعمال الإنجاز، ونجله الآخر النائب المحامي ابراهيم الذي كان منصرفا بثبات وجهد إلى الشأن الوطني المعروف، الى التفاهمات والمصالحات التي نجحت، وكان يتفانى في سبيل كل ذلك بشكل ملحوظ، فبلغت جهوده إلى النجاح المشكور. كافأتهم أمنا العذراء مريم بفيض النعم الإلهية. كان من المفترض تبريك المزار في وقت سابق. غير أن ظروفا قاهرة حالت دون ذلك، وبخاصة وفاة صهرهم الشيخ رشيد كيروز زوج ابنتهم ريتا. فنجدد تعازينا لهم وصلاتنا لراحة نفسه. ونحيي بيننا رابطة الاخويات ورئيسها واعضائها والمرشدين فيها”.
أضاف : “في هذا الأحد الأول بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، وكنا في كل يوم أحد، طيلة سنتين وخمسة أشهر، نصلي مع كل المؤمنين إلى الله كي يمس ضمائر الكتل السياسية والنيابية، من أجل انتخاب رئيس للبلاد، وإخراج لبنان من المعاناة المتعددة الوجوه الناتجة عن ذاك الفراغ الرئاسي. واليوم نرفع صلاة الشكر لله على أنه استجاب صلاتنا وصلاة جميع اللبنانيين. واليوم نرفع الصلاة إلى الله من جديد، بشفاعة أمنا مريم العذراء سيدة لبنان وحاميته، كي يمكن رئيس الحكومة المكلف الشيخ سعد الحريري من تأليفها، في أسرع وقت ممكن، بمؤازرة الكتل السياسية والنيابية وتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية. فحالة البلاد الاقتصادية والمعيشية والمالية والإنمائية والأمنية، لا تتحمل اي إبطاء أو تأجيل”.
وتابع : “بذات الرجاء نضرع إلى الله، بثقة البنين، أن يوجه ذوي الإرادة الحسنة إقليميا ودوليا إلى إيقاف الحروب الهدامة في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وسواها، وإلى إجراء مفاوضات جدية لإيجاد حلول سياسية للنزاعات، ولإعادة المهجرين والنازحين والمخطوفين واللاجئين والمبعدين إلى أوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم، كأساس من أجل توطيد سلام عادل وشامل ودائم في منطقة الشرق الأوسط”.
أضاف : “في قيصرية فيليبس، بانياس اليوم، الواقعة على سفح جبل حرمون، من جهة منبع نهر الأردن، كان إعلان سمعان – بطرس “الإيمان بالمسيح ابن الله الحي”، فجعله ربنا أساس الإيمان الذي يبني عليه كنيسته، كعلى صخرة. وبهذه الصفة لا تقوى عليها قوى الشر مهما تعاظمت. فالمسيح الرب، رأس الكنيسة وهي جسده السري، قد انتصر على هذه القوى الشريرة بموته وقيامته. ذلك أن الاعتداء على الكنيسة اعتداء على المسيح نفسه، ومحاربتها محاربته. وهو المنتصر الدائم، كما أظهرت الألفيتان من عمرها.
إن الكنيسة، بأبنائها وبناتها ومؤسساتها، في لبنان وبلدان هذا المشرق، مؤتمنة على إعلان هذا الإيمان، وعلى حماية جذور المسيحية العالمية، وعلى التفاعل بين الثقافتين المسيحية والإسلامية، من أجل بناء حضارة مشتركة غنية بقيم الديانتين. وهذه رسالة نحن كلنا مؤتمنون عليها من أجل تعزيز حوار الأديان والثقافات والعيش معا على مبدأ التعددية في الوحدة”.
وتابع : “سر المسيح، الذي يكشف لنا سر الله والإنسان ومعنى التاريخ، لا ندركه بالعقل وحده، بل بالعقل المستنير بالإيمان. جواب الناس عما هو يسوع “ابن الإنسان”، إنما أتاهم من العقل، فرأوا فيه نبيا قام من الموت، وهو إما يوحنا، لأن يسوع نادى مثله بالتوبة واقتراب ملكوت الله؛ وإما إيليا، لأن يسوع اجترح مثله المعجزات؛ وإما إرميا، لأن يسوع ندد بالشر مثله ودعا إلى استقامة العيش من دون ازدواجية ورياء”.
أضاف : “أما سمعان – بطرس فأعطى جواب الإيمان الذي أنار عقله. هذا الإيمان امتدحه فيه يسوع: “طوبى لك، يا سمعان بن يونا! لأن لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك، بل أبي الذي في السماء” (الآية 17). أتاه الإيمان من الينبوع الإلهي، لأنه كان يسمع يسوع بثقة وشغف ومحبة. كان يسمع كلامه بقلبه ويحفظه ويتأمل فيه. لذلك، أتى جوابه صحيحا بكامل مضامينه، خلافا لجواب الناس الذي كان من عقلهم ومعرفتهم فقط، فأتى ناقصا وغير سليم في جوهره.
بهذا المديح، يكشف الرب يسوع أن المسؤولية التي سيسلمها إلى بطرس، كصخرة إيمان يبني عليها كنيسته، وكرأس يقلده كامل سلطان الحل والربط، تقتضي من بطرس أن يمارس هذه المسؤولية بإيمان ورجاء وحب، مصغيا باستمرار إلى صوت الله ووحيه، لا إلى صوته الشخصي. وهذا شأن كل صاحب سلطة ومسؤولية ليس فقط في الكنيسة، بل أيضا في العائلة والمجتمع والدولة، فيأتي قراره وعمله لصالح الخير العام، الذي منه خير كل واحد وخير الجميع”.
وختم الراعي : “يستطيع الإنسان معرفة الله وسره بالعقل المستنير بالإيمان. فالعقل عين، والإيمان نور.الإيمان ثقة ورجاء وحب. وهو من حيث مصدره الإلهي عطية نلتمسها من الله كل يوم، وننتظرها كانتظار الفجر والنور في الظلمة. منها نحن اليوم نلتمس هذه العطية، كما كان يلتمسها الرسل الأطهار: “يا رب، زدنا إيمانا” (لو 17: 5). فنرفع بإيمان صاف وملتزم نشيد المجد والتسبيح للثالوث المجيد، الآب والابن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين”.
كنعان
وفي نهاية القداس، كانت كلمة للمحامي بول كنعان قال فيها: “إنه لمن دواعي السرور والافتخار والاعتزاز، أن نكون اليوم ها هنا، في هذا الصرح الذي، بينه وبين وطننا لبنان، بصمات مجد وتضحيات، وهوية وتجذر وثبات، وتاريخ من الصمود والموقف والايمان، من مار يوحنا مارون الى غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي”.
أضاف : “إن هذه المناسبة المباركة، تطبع محطة من محطات العلاقة ما بين الكنيسة الانطاكية المارونية وعائلتنا، والتي نتناقل فيها من جيل الى جيل، إرث الايمان المسيحي السرياني الماروني والالتزام ببكركي والرعية”.
وتابع: “تعلمنا من الأهل ما نعلمه لأبنائنا وبناتنا، ليعلموه لأبنائهم وبناتهم من بعدهم، وهو أن قوة لبنان من قوة هذا الصرح، ويوم تضعف بكركي، وهو ما لن يحصل بالطبع، يضعف لبنان الدولة والكيان والمؤسسات. الشكر لكنيستنا المارونية، التي أتاحت لنا المجال لنكون الى جانبها بهذا المزار المقدس، كمساهمة متواضعة من عائلتنا، ليبقى هذا الصرح رمز ايمان وعلامة رجاء”.
بعدها، دشن الراعي مزار العذراء وباركه في الباحة الخارجية للصرح، الذي قدمه يوسف ابراهيم كنعان مع عائلته.