انتهت الاستشارات النيابية غير الملزمة لتشكيل الحكومة، وبدأت عملية التشكيل الفعلي. عشرات الأسماء تطرح من هنا وهناك وعشرات غيرها تعد نفسها بمكان في أي تشكيلة مرتقبة، ولدى الرئيس سعد الحريري الكثير من المطالبات التي لم يتسع دفتر ملاحظاته لها، لكن الجميع يعرف أن “ما كل ما يتمنى المرء يدركه”. الحريري نفسه اعتبر، في نهاية الاستشارات، أنه “من الطبيعي أن تأتي كل الكتل النيابية لتطلب ما تريد”.
وإذا كانت مصادر معنية بالتشكيل تؤكد أن النقاش لم يدخل في التفاصيل بعد، إن كان في اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية بالحريري، بعد انتهاء الاستشارات، أو في اللقاءات التي تجري منذ ذلك الحين، إلا أن بين الكتل من صار يحمل أكثر من تشكيلة.
حتى الآن صار شبه محسوم أن الحكومة ستكون ثلاثينية (6 موارنة، 4 أرثوذوكس، 2 كاثوليك، 2 أرمن و1 أقليات، مقابل 6 سنة، 6 شيعة و3 دروز). ويبدو أيضاً أن هاجس الثلث المعطل لم يعد حاضراً كما كان في الحكومات السابقة، إلا أن ذلك لم يُلغِ “فجع” كل الكتل إلى حصص وازنة في مجلس الوزراء بما هو السلطة الفعلية.
بين يوم وآخر ينزل اسم ويُرفع آخر. العميد شامل روكز كان من المرشحين الأساسيين في أي تشكيلة حكومية. قيل إن وزارة الدفاع ستكون من نصيبه، فيما كان عديله جبران باسيل خارج الحكومة، لدوره المرتقب إلى جانب الرئيس. أمس تبدلت المواقع. عاد باسيل إلى الحكومة وغادرها روكز، لأن الحكومة لا يعقل أن تضم صهرين للرئيس. ولذلك، يتوقع أن يعود باسيل إلى الحكومة بوزارة دولة، ثمة إصرار عوني على أن تكون لشؤون رئاسة الجمهورية، فيما يعترض آخرون انطلاقاً من أن النظام ليس رئاسياً. وفي المقابل، سيجلس روكز على المقعد النيابي الذي شغر بانتخاب عمه رئيساً. حيث يتوقع إجراء الانتخابات الفرعية في كسروان سريعاً (قبل بدء فترة الستة أشهر التي تسبق الانتخابات).
أربعة وزراء يطالب بهم “التيار الوطني الحر”، حتى الآن ضمنوا منها مقعد باسيل، من دون أن يعني ذلك أن العدد قد حسم. اما رئيس الجمهورية، فسيكون له ثلاثة أو أربعة وزراء: بيار رفول أولهم (ماروني) والياس بوصعب (أرثوذكسي)، حيث يتوقع أن يكون نائباً لرئيس الحكومة، حتى لو لم يحصل على حقيبة.
وفيما يصر رئيس الجمهورية على أن يضم إلى حصته وزيرين مسلمين، فإنه يتوقع توزير فيصل كرامي من حصته، فيما لم يتضح بعد من سيكون الوزير الشيعي. لكن إذا حصل على هذا المقعد، فإن مقعد “القومي” قد لا يكون من الحصة الشيعية كما درجت العادة، إنما سيحصل عليه النائب أسعد حردان (أرثوذكسي).
أما الخمسة الآخرون، فيتوزعون، كما كان متوقعاً بين ثلاثة لـ “أمل”، حسم منهم علي حسن خليل (وزارة المالية)، بالرغم من أن العونيين لا يزالون يسعون للحصول عليها، كما يتردد اسم حسن فواز إضافة إلى وزير يمثل “أمل” في البقاع (غازي زعيتر أو علي عبدالله).
إذا وُزِّر علي قانصو، فإن ذلك سيؤدي إلى إعطاء “حزب الله” مقعدا واحدا، أما في حال تم توزير القوميين بمقعد مسيحي، فتعود حصة الحزب إلى وزيرين واحد من الجنوب وآخر من البقاع.
في الحصة المارونية، إضافة إلى باسيل ورفّول، يبرز اسم مارون حلو من حصة “القوات” وبسام يمّين (“المردة”) الذي يرجّح أن تسند إليه حقيبة “الطاقة”، بما يشكّل ربط نزاع بين “أمل” و”التيار”. كما صار محسوماً توزير مستشار الحريري الوزير السابق غطاس خوري، علماً أن المقعد السادس يفترض أن يكون من حصة “التيار” أيضاً، الا اذا قررت “الكتائب” استبدال آلان حكيم (كاثوليكي) باسم ماروني.
لم تحسم “القوات” أسماء مرشحيها بانتظار أن تحسم مسألة الحقائب، لكن مع ذلك، فإن اسمي غسان حاصباني وروي بدارو (أرثوذكسيان)، يبرزان، مع حلو، كأبرز المرشحين قواتياً.
وفي حال دخول “الكتائب” إلى الحكومة، فإن المرشح الوزير ألان حكيم (كاثوليكي) سيكون الأوفر حظاً لتمثيل الحزب. كما يبدو أن المقعد الكاثوليكي الثاني قد حسم لمصلحة الوزير ميشال فرعون.
وتبقى ثلاث وزارات في الحصة المسيحية: اثنتان للأرمن ستؤول واحدة منهما لـ “الطاشناق” وأخرى لـ”الهانشاك”، وواحدة للأقليات، صار محسوماً أنها لن تبقى في عهدة “المستقبل”.
الحكومة الثلاثينية ضمنت تمثيل النائب طلال ارسلان، حيث سيؤول المقعد الدرزي الثالث إلى الوزير السابق مروان خير الدين، فيما يحتفظ النائب وليد جنبلاط بحصته الوزارية، مع توجه لإبقاء حقيبة الصحة بعهدة الوزير وائل أبو فاعور.
عندما يتمكن الحريري من تخطي العقبات التي تواجهه من مختلف الطوائف والاحزاب، ستكون الحكومة قد شُكّلت عملياً، خاصة أنه سنياً لا يواجه عقبات جدية، فإضافة إلى المقعد الذي يفترض أن يؤول إلى رئيس الجمهورية، وإلى مقعد رئيس الحكومة، صار اسم نادر الحريري مطروحاً بقوة لوزارة الاتصالات. كما يبدو الوزير نهاد المشنوق ثابتاً في وزارة الداخلية، كما سيمثّل الحريري طرابلس بالنائب محمد كبارة أو النائب السابق مصطفى علوش. فيما يشكّل توجهه إلى تسمية الوزير السابق عبد الرحيم مراد سابقة في إطار تثبيت الحريري للخط الذي كرّسه في الانتخابات البلدية للمرة الأولى، أي الانفتاح على كل القيادات السنية، وكسر حصرية التمثيل.
ايلي الفرزلي