يبدو أن عقدة توزيع الحقائب السيادية ما زالت العقبة الرئيسية أمام تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وحتى ليل أمس كانت المشاورات مستمرة حول تقاسم الحصص الوزارية وسط تصعيد كل حزب مطالبه لضمان عدم انكساره سياسياً وشعبياً عند إتمام التسوية.
كل ما يُقال في الإعلام اعتراضاً على تعيين وزير من حركة أمل في وزارة المالية هو “كلام بلا معنى”، وبلا أي طائل. فجميع القوى السياسية المعنية بتأليف الحكومة باتت مقتنعة بأن المالية ستبقى في عهدة الرئيس نبيه بري. حتى المُطالِب بالحصول عليها، أي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، عبّر عن عدم تمسّكه بها، من خلال قوله (أمس) إن عدم حصول القوات على هذه الحقيبة “لن يشعل حرباً أهلية”. لكن التيار الوطني الحر مصرّ على مناكفة بري، من باب المطالبة بمداورة الحقائب، بما فيها المالية، حتى لا يقال إن التيار الوطني الحر لم يساند حليفه القواتي.
وفي هذا الإطار، أبلغ الرئيس سعد الحريري بري وحزب الله عبر الوزير علي حسن خليل عدم ممانعته حصول القوات على وزارة سيادية. وأكّدت مصادر قواتية وعونية لـ”الأخبار” أن الاتفاق بين القوات اللبنانية وعون يقضي بحصول القوات على حصة وزارية مطابقة كمّاً ونوعاً لحصّة التيار الوطني الحرّ، أي في حال حصول التيار على حقيبة سيادية فتكون “الحقيبة المسيحية” الثانية من حصّة القوات. وإذا حصل التيار على الخارجية، يعني ذلك حصول القوات على الدفاع، في ظلّ تمسّك الحريري بالداخلية وتمسّك بري وحزب الله بالمالية. لكن حزب الله وبري والنائب وليد جنبلاط يعارضون حصول القوات على الدفاع أو الخارجية. كذلك لا تخفي أوساط في التيار الوطني الحر اعتراضها على حصول القوات على “الدفاع”، ربطاً بالتاريخ الدموي بين القوات والجيش إبان الحرب الأهلية، لافتة إلى أن هذا الأمر “غير جائز معنوياً”.
لذلك، يحاول المفاوضون الخروج من هذه الأزمة عبر عدة طروحات، أبرزها منح إحدى الوزارات السيادية لشخصية “غير واضحة الانتماء السياسي”، شبيهة بالوزيرين ميشال فرعون وسمير مقبل، غير عونية وتحظى بقبول قواتي. وهنا يجري الهمس باسم نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس كحلّ وسط.
في مقابل ذلك، برزت عدة مستجدات حكومية. بات شبه محسوم أن حصة رئيس الجمهورية ميشال عون ستضم وزيراً من الطائفة السنية هو على الأرجح فيصل كرامي. أما حصة رئيس الحكومة سعد الحريري، فما زالت غير محسومة من جهة من سيمثله في الشمال، إلا أن دائرة الترجيحات انحصرت بين النائب محمد كبارة أو النائب السابق مصطفى علوش من طرابلس والنائب معين المرعبي من عكار. علماً أن اسم علوش هو خيار مقبول جداً من رئيس الجمهورية، بسبب قربه في مرحلة سابقة من التيار الوطني الحر.
من جهة أخرى، تشير مصادر الحزب الاشتراكي إلى أن النائب وليد جنبلاط أبلغ نوابه خلال اجتماع اللقاء الديموقراطي قراره توزير النائب مروان حمادة، فيما لم يجزم نهائياً ما إذا كان النائب السابق أيمن شقير هو الوزير الاشتراكي الثاني الذي في حال اختياره سيحصل على حقيبة دولة. والمتفق عليه أن تذهب الحقيبة الثانية إلى النائب طلال أرسلان، خصوصاً بعد الأجواء الإيجابية بين أرسلان وجنبلاط، وإبلاغ جنبلاط الحريري وبري عدم ممانعته حصول أرسلان على الوزارة الخدماتية الثانية من حصّة الدروز.
أما تيار المردة، فقد اشترط الحصول على وزارة الأشغال العامة والنقل أو الاتصالات أو الطاقة للمشاركة في الحكومة، محصناً بدعم حزب الله وحركة أمل لمطلبه. ولأن وزارة الأشغال هي واحدة من أبرز الوزارات الخدماتية، وضع حزب القوات عينه عليها واختار مارون الحلو من بلدة كسروان لتوليها، وهو ما يطرح علامة استفهام حول مدى قبول التيار الوطني الحر بتسليم معقله الكسرواني لشخصية قواتية. وبعكس ما يشاع عن تفضيل حزب الكتائب البقاء في المعارضة، أعربت قيادته عن رغبتها في المشاركة بالحكومة المقبلة، شرط توزيع المقاعد الوزارية على الكتل النيابية بما يتناسب مع عدد أعضائها.
في سياق آخر، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال لقاء الأربعاء النيابي ضرورة “الإسراع بتشكيل الحكومة قبل عيد الاستقلال”، مشيراً إلى “رغبة جدية في تأليفها بأسرع وقت ممكن للانصراف إلى العمل، ولا سيما من أجل إقرار قانون جديد للانتخابات ومعالجة الملفات الحيوية المطروحة”. وشدد على ضرورة أن “يكون القانون الجديد مبنياً على النسبية بما يؤدي الى الانتقال من المفهوم الطائفي والمذهبي إلى مفهوم المواطنية”. من جهة أخرى، رأى بري “أن مكافحة الفساد تستلزم تعزيز سلوك المسارات الدستورية والقانونية، بما فيها تنشيط عمل القضاء والهيئات الرقابية في هذا المجال”. وأشار إلى “أن هناك نماذج عديدة يمكن أن تشكل امتحاناً لمثل هذه المسارات، ومنها قضية الإنترنت غير الشرعي”، داعياً إلى “استكمال عمل لجنة الإعلام والاتصالات ومسار القضاء في هذه القضية”.