يعتبر جورج وميشال تانليان من بين أخطر 10 سفّاحين في الشرق الأوسط. حكاية الشقيقين السوريّين اللذين عاشا في لبنان لمدّة طويلة، يمكن أن تتحوّل ببساطة إلى قصّة بوليسيّة أو فيلم لسفّاحَين أرعبا بيروت على مدى 5 أشهر. اعترافاتهما أصلاً تشبه تلك الروايات المتناقلة عن القاتلين المتسلسلين كريا وسكينة وجاك السفاح وهيرمان ويبستر..
كان الشقيقان يختاران الضحايا ويقتلانهما بدمٍ بارد. وأكثر من ذلك، يتناوبان على عمليّات القتل، إذ نفّذ ميشال ثلاث عمليّات قتل قبل أن يستلم جورج المهمّة عن شقيقه.
بين نيسان وتشرين الثاني 2011، شُغلت بيروت بعمليّات قتل 11 ضحيّة (غالبيّتهم من سائقي التاكسي وبينهم إمرأة واحدة وعريف في الجيش اللبناني) تحت جنح الظّلام وبالطّريقة نفسها: رصاصة بالرأس من مسدّس 7.5 ملم ثمّ رمي الجثّة على قارعة الطريق وإشعال السيّارة. أمّا التغطية على الجريمة، فكانت إيهام القوى الأمنيّة بأنّها حصلت بقصد السرقة.
أدركت القوى الأمنيّة أنّها أمام سفاحٍ لا يتكرّر إلّا كلّ خمسين عاماً مرة. ولذلك، حوّلت مخبريها وعناصرها إلى سائقي تاكسي لعلّها تفلح في إلقاء القبض على الجاني، ولكن من دون جدوى.
ليلة 11/12 تشرين الثاني، كانت نهاية جرائم القتل التي نفّذها الأخوين تانليان، بعدما تمكنت “شعبة المعلومات” في قوى الأمن الدّاخلي من الإيقاع بهما.
في تلك الليلة، ذهب الشقيقان كعادتهما لـ “اصطياد” ضحيّتهما. أوقفا تاكسي لإيصالهما إلى كازينو لبنان، فجلس ميشال إلى جانب السائق وجورج في المقعد الخلفيّ. وما إن وصلا إلى الدّورة، حتّى طلب جورج من السائق التوقّف بالقرب من كنيسة مار مارون كي يصطحبا معهما صديقاً.
وهكذا كان. توقّف السائق فأشهر جورج مسدّسه وأطلق عليه رصاصةً واحدة في رأسه كانت كفيلة بقتله على الفور، ليقوم الشقيقان برمي جثّته إلى جانب الطّريق بعد تفتيشها وسرقة ما فيها. زهقت روح السائق هاغوب مقابل مئة وستين دولارا أميركيا لا غير!
لم يشعر الشقيقان بأي رادع، بل أكملا طريقهما للإيقاع بضحيّة جديدة، بطريقة مختلفة قليلاً عن تلك التي سبقتها. عند جسر الواطي، شاهدا شاباً واقفاً إلى جانب الطّريق، فتحا الشبّاك ليطلب الأخير ممن ظنّه سائق تّاكسي توصيله إلى منزله.
ولكن العسكري زياد ديب لم يصل إلى منزله، بل ذهب إلى محاذاة مجرى نهر بيروت وأوقف السيّارة، ليشهر مسدّسه ويطلب من ديب فتح باب السيّارة ووضع رجل واحدة خارجها، ثمّ إعطاءه كلّ ما في جيبته. لم يشفع لديب المال الذي أعطاه للرجلين، بل طلب منه جورج أن يلتفت إلى الجهة الثانية ثمّ أطلق عليه النّار ليقع مباشرةً خارج السيّارة. كانت الغلّة في هذه الجريمة: 100 ألف وجهازا خلويا من نوع “نوكيا”.
أنهى الشقيقان ليلتهما. ركنا سيارة التاكسي، من دون إحراقها، بجانب ملعب برج حمّود ونزعا منها الراديو، ثمّ ذهبا إلى منزلهما وبيدهما 340 ألف ليرة لبنانيّة وراديو وهاتف. ولذلك، كانت المهمّة صباح اليوم التالي هي بيع الهاتف.
سريعاً، أوجد ميشال شارياً: جاره الذي كان يريد دفع 100 ألف ليرة بعد أن قام بتجربة الهاتف من خلال وضع الشريحة.
“ندم ونوم وويسكي”
علمت القوى الأمنيّة، التي كانت تراقب كلّ شاردة وواردة خاصة بالهاتف، باعتباره هاتفاً عسكريّا وتملك الرقم التسلسلي الخاص به، أن الهاتف استخدم في هذا الموقع الجغرافي.
بدأت التحريّات وجمع الخيوط إلى أن تمّت مداهمة المنزل، حيث عثر بداخله على ما يؤكّد قيام الأخوين تانليان بجرائمهما كالمسدّس والراديو المنزوع من سيارة التاكسي.
سريعاً، اعترف القاتلان بجرائمهما، من دون تحديد الأسباب التي دفعتهما إلى ذلك. ولمّا مثلا أمام قاضي التّحقيق العسكريّ الأوّل رياض أبو غيدا في قضيّة قتل العسكريّ، حاول جورج تبرئة شقيقه من دون تمكّنه من ذلك لأكثر من دليل ثابت عليه، كمحاولته بيع الهاتف، والتفاصيل التي أدلى بها من دون وجود جورج.
لم يكن جورج أثناء استجوابه مختلفاً عمّا بدا عليه أثناء تنفيذ جرائمه، بل كان يجيب على الأسئلة ببرودة السفّاح، مجيباً أنّ عدد ضحاياه: 10 ما عدا العسكريّ. كانت الصّدمة أكبر حينما سأله أبو غيدا عمّا إذا كان يشعر بالنّدم بعد كلّ عمليّة قتل، ليجيب: “القليل من النّدم ثم النّوم ثم كأس ويسكي”!