إنه العهد الرئاسي الأول في لبنان الذي تزامن مع هذا الازدحام غير المسبوق الذي تشهده مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان. الأم والأب والجد والجدة والطفل والطفلة، كلّهم باتوا موجودين في العالم الافتراضي. وكلّهم يريدون التعبير عن رأيهم بتلقائية. لكنهم، لا يعلمون ماهية هذا التعبير وكيفيته، ويجهل عددٌ كبيرٌ منهم الفرق بين الحرية في إبداء الرأي، والتعرّض لشخص رأس الدولة بما يتنافى وما ينصّ عليه القانون اللبناني.
بعضهم عبّر صراحةً عن عدم درايته اذا كان ما يكتبه متعارضاً والقوانين. آخرون فضّلوا توجيه رسائل مبطّنة من دون ذكر أسماء، خوفاً من النتائج المترتبة على منشوراتهم. فيما شرع البعض الى اطلاق العنان للتعابير الساخطة التي تعدّت المعقول والمنطق، ووصلت حدّ القدح والذم.
لعلّ المشكلة الأبرز التي يعانيها بعض الناشطين في مواقع التواصل تكمن في عدم فهمهم لمعنى هويتهم الافتراضية التي باتت تحمل اسمهم وشهرتهم. يخالون أن وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن جلسة يختلي خلالها الفرد بنفسه دون اي قيود. لكن هذا الاعتقاد خاطئ. الخبير في شؤون التواصل الاجتماعي فيليب أبو زيد يؤكّد لـ”النهار” أن “على الجميع ان يعلموا ان لهذه الوسائل قواعد واخلاقيات تدرّس، وهي ليست مسألة عشوائية بل من الضروري التقيد بها. كما ثمّة قانون للسير وقانون للعقوبات وللطبيعة، هناك قانون للتواصل الاجتماعي. انها وسائل قائمة على علم التواصل ولا بد ان يكون هناك احترام لاصول هذا التواصل”.
ويفنّد الحلول المتاحة امام المتصفّح مثل “البلوك” و”الريبورتنغ” في حال اراد التبليغ عن اي اساءة شخصية يعبّر عنها الفرد في تعليقاته وهذا ما ينتج عنه عواقب وخيمة يعاقب عليها القانون. وفي ما يخص التعبير عن الآراء بحدث انتخاب رئيس الجمهورية، يقول ان “كل انسان حرّ في ان يعبّر عن رأيه، الا ان حرّيتي تتوقّف عندما يصبح التعبير عن الرأي جرماً يمس بالدستور والقانون. والدستور اللبناني يقول إن الرئيس اللبناني هو رأس الجمهورية والتعرض له يعرض صاحبه للملاحقة القانونية. وتالياً انت تشتم الدولة والمنظومة بأكملها ولا تشتم الشخص. انطلاقاً من هنا لا بد من توعية الناس حيال كيفية التواصل”.
وعن دخول الاولاد القُصَّر في لعبة التعبير عن الآراء الحادة والمبتذلة في مواقع التواصل، يلفت الى دور الأهل في التوعية. ويتساءل: “ماذا يفعل الاولاد الذين يبلغ عمرهم 13 سنة في فايسبوك؟ انهم تحت العمر المسموح به ويجب ان لا يفعّلوا حساباتهم في هذا السن خصوصاً أنهم قد يتعرّضون للاحتيال. هناك نقص في الوعي عند الأهل”. نسأله: “يعتبر البعض ان عدد الاصدقاء المحدود لديهم في مواقع التواصل يحمي خصوصيتهم. هل هذا صحيح؟” يجيب: “من قال إن الصورة او التعليق المكتوب لن يصوّر ويعمّم من احد الاصدقاء الافتراضيين؟ لا يوجد حياة خاصة عبر وسائل التواصل. وفي حال تبيّن أن احداً يشكل خطراً على سلامة الدولة من الممكن الوصول اليه بسهولة”.
سجن 3 سنوات وغرامات بقيمة 50 مليون ليرة
لمعرفة الخبايا القانونية لمسألة التعرّض لشخص رئيس الجمهورية أجرت “النهار” حديثاً مع المحامي أنطوان السبع الذي يميّز بين 3 أنواع من الجرائم التي يحاسب عليها القانون في هذا الاطار. وهي توالياً: القدح أي أن توجّه لشخصٍ ما صفة سلبية كأن تتهمه بالسرقة، والذم أي أن تنسب له عملاً يمس بكرامته وسمعته كأن تقول أن فلاناً سرق المصرف، والتحقير أي أن توجّه لأحدهم كلمات تحقيرية كالشتائم. مفاد الأمر أنه لا يمكن التعرّض لشخص رئيس الجمهورية كأي شخص بما يمس بسمعته وكرامته بحسب ما تنص عليه المادة 23 من المرسوم الاشتراعي. ولا يمكن ان تنسب له اي خبر يضر بسمعته تحت طائلة الملاحقة القانونية.
وعن العقوبة التي تطال كل من يتعرّض لشخص رئيس الجمهورية بالقدح والذم والتحقير، يشير الى ان الرئيس ليس في حاجة ان يدّعي شخصياً بل من خلال النائب العام الاستئنافي. في ما يخص المطبوعات، يمكن ايقاف اصدارها 3 ايام. وفي ما يتعلّق بالأشخاص يمكن ان تصل عقوبة سجنهم من سنة الى 3 سنوات اضافةً الى غرامات مالية عالية تراوح بين 25 و 50 مليون ليرة لبنانية. “ماذا عن اللجوء الى تقليد رئيس الجمهورية في البرامج الكوميدية او الكاريكاتورية؟”، يجيب أن “القانون لا يمنع تقليد رئيس الجمهورية، فالكاريكاتور هو نوع من التعبير، وحرية التعبير مكرّسة شرط ان لا تمس بالكرامة. اذا لم تشتمه او تشوّه سمعته فهذا جائز. عادةً في الكاريكاتور السياسي يكون هناك انتقاد او تسجيل موقف. اذا كان هذا الانتقاد ضمن الحدود المباحة، لا مشكلة فيه”.
من قطب سياسي الى رئيس
“ليس سهلاً ان يتحوّل الشخص من موقعٍ الى آخر في يوم واحد. كان طرفاً سياسياً وصار رئيساً بين ليلة وضحاها”. بهذه العبارة يلخّص الدكتور في علم النفس الاجتماعي هاشم الحسيني لـ”النهار” أسباب ردّات فعل الناس السلبية مؤكّداً ان الفئة المعارضة تحتاج الى وقت لتعتاد هذه المسألة خصوصاً ان الرئيس ليس مقدّساً لدى اللبنانيين. “انا لا استغرب ما حصل. هناك نزاع سياسي حاصل بين الاطراف السياسيين في البلاد. كيف تريد ان يستوعبه الناس كرئيس من الليلة الاولى؟ ولكن استخدام التعابير البذيئة والكلام الخارج عن اللياقة العامة مرفوض حتماً”.
لا ينفي الحسيني ان المجتمع اليوم في حالة تأزم اقتصادي ومعيشي وسياسي، فضلاً عن النفايات في الطرقات وهذا ما يزيد من ضياع الناس وحدّة ردود افعالهم. اضافةً الى غياب معايير المحاسبة والرقابة؛ هناك غياب للسلطة وللرادع الشخصي. الناس لا يخافون من احد كما ان اخلاقهم لا تمنعهم من ان يفعلوا ما يفعلونه. انها مسألة فلتان كامل وهذا ما ينعكس نقصاً تربوياً وثقافياً. ويشير الى ان التعبير عن الرأي سهل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي الاصغر سناً سيلتحقون بآراء الاكبر سناً. هذا ما يخضع لمسألة غياب الرادع للذين لا يزالون تحت وصاية الاهل. وعن مسألة اعتياد هويّة الرئيس الجديد يؤكد أن “الاعتياد على صورة الرئيس عون تتغيّر مع تغيّر وضع الناس في مجتمعهم. عندما يتجاوز لبنان أزمته تهدأ النفوس، اضافة الى ضرورة تفعيل برامج اجتماعية وثقافية لتعليم وارشاد الجيل الجديد على كيفية التعبير”.
انها كلمة واحدة تنطق بها بأحرف أصابعك في عالم لا تفقهه، قد تكلّفك 3 سنوات في السجن. الفرق الأول بين الكلمة التي تخرج من فمك، وتلك التي تخرج من يدك، أن الأولى يبعثرها الهواء في الارجاء، ولا يمكن أياً كان التقاطها. لكن تلك التي تكتبها بيدك امام المئات من الغرباء، فهي بمثابة أخذٍ لتوقيعك على اوراق مبهمة، من الأفضل أن تتطلع عليها بدقّة قبل ان تبادر بأول شحطة شاشة رقمية.