إذا كان تأليف الحكومة يصطدم بجدار الالتزامات والتفاهمات المتناقضة التي شكلت ممرا إلزاميا لوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، فإن القدرة على إيجاد توليفة ائتلافية في علاقات لبنان الدولية والإقليمية، تبدو هي الأخرى مهمة صعبة للغاية، خصوصا أن المنطقة تعيش في قلب الاشتباك وفي صلب نيرانه التي تلامس حدود لبنان ودواخله.
ولعل المسار الممتد من زيارة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ووزير شؤون الرئاسة السورية منصور عزام، الى زيارة مستشار الملك السعودي أمير منطقة مكة، خالد الفيصل، موفدا من الملك سلمان، من ثم وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، موفدا من أمير قطر، غدا، يشي بأن زمن الاستحقاقات الخارجية بدأ يفرض نفسه سريعا على جدول أعمال رئاسة الجمهورية، بدليل خطاب الاستقلال الأول الذي جاء باهتا للغاية ويكاد يكون صورة طبق الأصل عن خطابات العهد الوسطي السابق.
لكأن طائرة رئاسة الجمهورية تحوم في الأفق وتتزود بالوقود جوا، وهي تدور ثم تدور على نفسها، في انتظار أن ينجلي غبار المعارك عن أرض الاقليم، لكن الخطورة تكمن في أن يطول الانتظار، خصوصا أن هناك من تعهد لبنانيا (طبعا ليس رئيس الجمهورية) للقيادة السعودية بأن يؤدي مسار ترئيس “الجنرال” إلى انتزاعه، في أحسن الأحوال من حضن “حزب الله” والمحور السوري ـ الايراني الى المسار المقابل، أو في أسوأ الأحوال، يقف في منتصف الطريق، فيصبح رئيســــا وسطيا شبيها بميشال سليمان!
وفي زمن “الصور” و”المشهديات” و”العروض”، سيجلس الرؤساء الأربعة في منصة واحدة، اليوم، وهم يشاهدون العرض العسكري، لمناسبة عيد الاستقلال، في وسط العاصمة، قبل أن يتوجهوا إلى بعبدا لالتقاط صور جديدة، أبرزها تلك التي ستجمع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، في ضوء الاشتباك السياسي المفتوح على مصراعيه بينهما، مع وقائع يومية، تشي بأن ممارسات ثأرية قد بدأت تطل برأسها من أكثر من وزارة وإدارة ومؤسسة رسمية، وربما تؤدي الى تأزم الموقف أكثر بين عين التينة وبعبدا.
ومن الطبيعي أن يحصل لقاء، قبل بدء التهاني الرسمية، في بعبدا بين عون وبري والحريري، وربما يعقد هذا اللقاء في نهاية الاستقبال، حيث تبحث الأمور المتعلقة بتشكيل الحكومة.
ووفق مصدر متابع لمسار التأليف، فإن الصيغتين الثلاثينية والعشرينية لم تحسما حتى الآن، ولكن الأمر يتوقف على فرصة التوافق مع الرئيس بري، علما أن محطة “أو. تي. في.” استبقت لقاء القصر، ورددت لليوم الثاني على التوالي، كلاما يوحي بحصر التفاهم والاتفاق على الحكومة، “بحسبِ روح الميثاق ونص الدستور، بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف تشكيلُها، وهو اتفاقٌ يضمن سلامةَ الولادة، وصحّةَ التركيبة، وآليةَ التنفيذ، أيا كانت آخر الذرائع، ومهما افتُعلت عراقيل وهميّة”.
وقال المصدر المتابع لـ “السفير” إن رئيس الجمهورية ليس معنيا بالسجال الذي دار بالأمس بين بري والحريري، وكشف أن اللقاء بين عون والحريري “ركز على غربلة الحقائب، وتم التفاهم على الحقائب المتعلقة برئيس الجمهورية و “التيار الوطني الحر”، أي إنهما اتفقا على كل ما كان عالقا بين الحريري و “التيار” ومن ضمن الاتفاق حسم حصة “القوات اللبنانية” لأن “التيار” فاوض على حصته وحصة “القوات”.
وعن كلام الحريري عن سؤال من يعطل التأليف الحكومي، قال المصدر نفسه إن الحريري “يقصد في ذلك حصة تيار المردة”.
وكان الحريري قد أمل بعد مغادرته، أمس، القصر الجمهوري، “أن تحل العثرات التي تعترض تشكيل الحكومة”، مشيرا الى أنه “أصبح معروفا أين هي (العثرات)”.
وعلى الفور، رد بري عليه قائلا: “ليس جوابا على دولة الرئيس سعد الحريري بل توضيحا له، الذي يعرقل هو الذي يخالف الدستور والأعراف وقواعد التأليف وليس من يحذر من ذلك، وقد يكون الهدف الأبعد الإبقاء على قانون الستين”.
وقال مصدر آخر لـ “السفير” إن العثرات تتمحور حول الآتي:
أولا، الحصة الشيعية لن يكون من ضمنها أي وزير لرئيس الجمهورية، وبالتالي، لن يكون بمقدور “الثنائي” تسمية أي وزير غير شيعي!
ثانيا، تمت المقايضة بين عون والحريري، بحيث يعطى الأول حق تسمية وزير سني مقابل وزير ماروني للحريري (غطاس خوري).
ثالثا، لن يعطي رئيس المجلس موافقته على أي تشكيلة اذا لم تضمن مقعدا أساسيا لـ “المردة” (الصحة أو التربية أو الاتصالات أو الطاقة)، طالما هو يصر على التمسك بالاشغال العامة.
رابعا، تبلورت قناعة حريرية بوجوب إعطاء مقعد لـ “الكتائب” لكن لم يعرف على حساب حصة من مسيحيا، الا إذا تمت العودة الى صيغة الثلاثين التي لا يحبذها الحريري لأسباب سياسية مرتبطة بقدرتها على ضمان تمثيل مكونات لا يفضل وجودها في حكومة برئاسته”.