“نعم أدعم الجيش السوري”.. عبارة قالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صراحة خلال مقابلة مع تلفزيون برتغالي مؤخراً، رداً على سؤال وجه له في هذا السياق، وفتح معها أبواباً من الانتقادات والتأويلات حول مدى دعمه لنظام بشار الأسد في سوريا.
والثلاثاء قال السيسي لقناة “آر بي تي” التلفزيونية الرسمية في البرتغال، رداً على سؤال حول إمكانية إشراك قوات مصرية في عمليات سلام خارج البلاد، إن “الأولى لمصر أن تدعم الجيش الوطني في ليبيا، وكذلك في سوريا، وأيضاً العراق، من أجل فرض الأمن في هذه البلدان”، مما دفع المحاور أن يسأل مؤكداً “هل تقصد بالجيش الوطني في سوريا، الجيش السوري؟”، فأجاب السيسي: “نعم”.
ومثَّل حديث السيسي تطوراً واضحاً في الموقف المصري “المعلن”، نحو تأييده للرئيس السوري بشار الأسد، حيث تشهد العلاقات المصرية السورية، تقارباً ملموساً منذ إطاحة الجيش بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في 3 تموز 2013، الذي قطع علاقات بلاده رسمياً مع النظام السوري.
تنسيق المواقف بين القاهرة ودمشق
وخلال زيارة نادرة له للقاهرة نهاية تشرين الأول الماضي، اتفق اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني (المخابرات) في النظام السوري، مع مدير المخابرات العامة المصري، اللواء خالد فوزي، على “تنسيق المواقف سياسياً بين دمشق والقاهرة، وكذلك تعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي يتعرض له البلدان”، حسب ما نقلته وكالة أنباء النظام السوري (سانا) وقتها.
وأوضحت “سانا” آنذاك، أن “الزيارة رسمية، وجاءت بناء على دعوة من الجانب المصري”. وبعد ذلك بأسبوع نفى مصدر عسكري مسؤول بالجيش المصري لـ”الأناضول” ما تردد حينها حول إيفاد قوات عسكرية مصرية إلى سوريا للتنسيق مع قوات نظام الأسد، في “محاربة الإرهاب”.
اللواء المتقاعد، طلعت مسلم، الخبير العسكري المصري رأى حديث السيسي “موقفاً مصرياً داعماً وأصيلاً تجاه النظام السوري، بكافة مكوناته”، مؤكداً على “ضرورة دعم الجيش الوطني السوري”.
وفي حديثه لـ”الأناضول”، أوضح مسلم أن “السيسي كان يقصد دعم مؤسسات الدولة السورية، وليس نظام الأسد فقط، الذي يعد جزءاً أصيلاً منها”.
وقال إن “مصر لا تأخذ مواقف حيال أفراد، بل مواقفها دائماً تتجه نحو المؤسسات”.
ووضع “مسلم” ثلاثة محددات تقوم عليها السياسة المصرية حيال الأزمة السورية، أولها “ثبات موقف القاهرة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعلى رأسها سوريا”.
والمحددان الثاني والثالث للمعالجة المصرية للأزمة السورية، وفق مسلم، يتمثلان في: “المحافظة على وحدة الأراضي السورية وعدم تقسيمها، والنظام في سوريا يحدده الشعب السوري دون غيره”.
ويرى الخبير العسكري، موقف مصر الداعم لنظام الأسد نابعاً من استراتيجيتها في “مواجهة الحركات الإرهابية المسلحة”، التي تقاتل فصائل منها ضد الجيش السوري، وفق كلامه.
وحول طبيعة الدعم المصري المقدم للمؤسسات السورية التابعة لنظام الأسد، قال “مسلم”: “القاهرة تقدم للأسد دعماً دبلوماسياً لم ولن يرقى أو يصل إلى الدعم العسكري”، دون أن يوضح مصدر هذه القناعة التي لديه.
وأشار إلى أن “الدعم المصري يتمثل في محاولة التقريب بين النظام والمعارضة السورية المعتدلة غير المسلحة، للوصول إلى نقاط تتلاقى فيها الوحدة والحل للصراع المسلح”.
“نظام السيسي يخسر”
متجاوزاً تفسيرات كلام السيسي كونه جاء “واضحاً ولا يحتمل التأويلات” برأيه، رأى صفوت الزيات العميد المتقاعد في الجيش المصري والمحلل العسكري والاستراتيجي، أن “نظام السيسي يخسر كثيراً من وراء دعمه لنظيره في سوريا”.
وبينما اتفق الزيات مع مسلم بشأن دعم السيسي وتأييده للنظام السوري اختلف معه في أن “الرئيس المصري يرى في بشار الأسد رأس النظام السوري الذي ينبغي أن يحكم دون غيره”.
وفي حديثه لـ”الأناضول” قال الزيات، إن “قناعة نظام 3 يوليو/تموز 2013، تتأسس على اعتبار الثورات العربية بما فيها السورية، فوضى خلاقة، زرعها الغرب في المنطقة، للقضاء على أنظمتها وجيوشها النظامية”.
وتوقع أن “تشكل محددات النظام المصري من الأزمة السورية، التي بدت أكثر صراحة في حديث السيسي الأخير، مشكلة كبيرة للدولة المصرية في علاقاتها الإقليمية، التي بدأت تتصدع”.
وقال الزيات: “لأول مرة يخرج إعلان مصري صريح وليس ضمنياً بتأييد نظام، الذي ترفضه غالبية الدول العربية، وخاصة مجموعة الدول الخليجية، ومعها تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.
ومتطرقًا إلى أدوات الدعم المصري الموجه للنظام في سوريا، أشار الزيات إلى أنه “معنوي أكثر منه مادياً”، حسب رأيه.
وأوضح: “توجد الآن قوات للتحالف الدولي الذي تقوده أميركا داعمة للمقاومة (في إشارة للمعارضة) على الأراضي السورية، بجانب توجه تركي لإنشاء منطقة آمنة في شمالي سوريا، وعمليات في اتجاه الرقة والموصل، بجانب دعم كبير من الخليجيين لعناصر المعارضة المسلحة، وجميعها تقف حجر عثرة بشكل كبير أمام أي تفكير مصري في دعم مادي للأسد”.
وفي مقابل عداء النظام السوري لغالبية الأنظمة العربية والإسلامية، يرى الزيات أن نظام الأسد “مدعوم من قوتين إقليميتين، هما روسيا وإيران، مما يجعله لا يحتاج لدعم مادي من مصر”، وفق قوله.
وتوقع الزيات أن “يستغل النظام السوري تصريحات السيسي في الترويج للداخل والخارج، بأن هناك دعماً من دولة عربية كبرى له مثل مصر”.
ومساء الأربعاء، اعتبر الإعلامي القريب من النظام المصري، عمرو أديب، في برنامجه “كل يوم”، الذي يعرض على فضائية “أون تي في” المصرية الخاصة، أن “السيسي لا يقصد بتصريحه الداعم للجيش الوطني السوري أي دعم لنظام بشار الأسد”.
وقال “أديب”: إن “السيسي رجل خريج الجيش الوطني المصري، فهو يتعاطى مع الجيوش، ومنها الجيش الوطني السوري، وليس الميليشيات”.
وسبق أن لخَّص السيسي في أغسطس/آب الماضي الموقف المصري من الأزمة السورية، وقال بحسب تصريحات له، إنه يستند إلى خمسة مبادئ هي: “احترام وحدة الأراضي السورية وإرادة الشعب السوري، وإيجاد حل سياسي سلمي للأزمة، ونزع أسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة، وإعادة إعمار سوريا، وتفعيل مؤسسات الدولة”.
وواجه إعلان السيسي، دعمه لـ”الجيش الوطني السوري” انتقادات واسعة، عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وبخلاف اهتمام وسائل إعلام محلية ودولية به تحليلاً وتفسيراً، ظهرت انتقادات عبر منصات التواصل الاجتماعي، تلمح إلى أن هذا الموقف يغضب المملكة العربية السعودية، التي لها موقف رافض لنظام “الأسد”، ودخلت علاقاتها الفترة الأخيرة في توتر مع مصر، بسبب تباين المواقف بشأن سوريا.
وانتشر بشكل واسع وسم (#السيسي_يدعم_بشار) على موقع “تويتر”، انتقد المغردون عبره بحدة “الدعم” المصري للجيش السوري، باستثناء البعض ممن رأى أن تصريحات “السيسي” تدعم “وحدة الدولة السورية”، وفق رصد مراسل “الأناضول”.
ويأتي حديث السيسي عن دعم الجيش السوري في وقت تشهد فيه العلاقات المصرية السعودية “توتراً” بسبب تباين مواقف البلدين من الأزمة السورية، حيث ترى القاهرة أن الحل السياسي الذي يشمل جميع الأطراف هو السبيل لإنهاء الصراع الدائر في سوريا منذ آذار 2011، بينما ترى الرياض ضرورة رحيل الأسد من السلطة أولاً.