وقعت أزمة بين برلين وبكين أخيراً بعد منع الحكومة الألمانية مستثمرين صينيين من شراء شركتين ألمانيتين مهمتين.
ومعروف أن رجال أعمال صينيين يجولون منذ سنوات في أنحاء العالم خصوصاً في أوروبا وتحديداً في ألمانيا، لشراء شركات ومؤسسات عمل. وبعدما بدأ هؤلاء شراء شركات ألمانية صغيرة ومتوسطة لتحسين إنتاجهم داخل الصين، يسعون في الفترة الأخيرة أكثر وأكثر إلى شراء شركات كبيرة تعمل بتقنيات وبرامج رقمية، يحتاج إليها الاقتصاد الصيني لتعزيز قدراته على المنافسة التجارية الدولية في شكل خاص.
ومن الشركات والمؤسسات التي ركّز الصينيون عليها في ألمانيا أخيراً، مطار فرانكفورت – هان المهم، وشركات الروبوتات «كوكا» العالية التقنية، و«كراوس – مافّاي» لصناعة الأسلحة الثقيلة المشهورة دولياً، و«كيكرت» لتصنيع غيار السيارات الألمانية. وهذه الأسماء مجرد أمثلة فقط، لأن لائحة الشارين الصينيين طويلة بالفعل خصوصاً في ما يتعلق بالصناعات الرقمية وتصنيع الآلات، حيث تدور منافسة دولية شديدة بين كل من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية.
وما يشغل بال المسؤولين الألمان منذ فترة غير قصيرة، أن الشارين بغالبيتهم ليسوا أرباب عمل من القطاع الخاص في الصين، بل من الدولة الصينية التي لا تزال تسيّر القسم الأكبر من اقتصاد البلاد، وتسعى في الوقت ذاته إلى وضع يدها على شركات قطاع التكنولوجيا والصناعة الرقمية في أميركا وأوروبا وآسيا المالكة للعلوم المتطورة والخبرات.
وهذا ما تشير إليه بالتحديد الخطة الخمسية الأخيرة للحكومة الصينية.
وقال رئيس غرفة التجارة الأوروبية يورغ فوتكه: «يسأل المرء في ألمانيا إذا كان المرسَلون الصينيون أرباب عمل أم موجّهين من جانب الحكومة الصينية، والسؤال المتكرر المطروح هو، من أين يجلبون كل هذا المال».
ويرى مراقبون أن الحذر من المسعى الصيني الحثيث، كان الدافع وراء قرار الحكومة الألمانية ووزير الاقتصاد والطاقة زيغمار غابرييل، بمنع بيع شركتين ألمانيتين كبيرتين ومهمتين إلى الصينيين في الشهرين الماضيين، الأولى الشركة المالكة لمطار فرانكفورت – هان، والثانية شركة «إيكسترون» المصنِّعة للآلات المرغوبة من شركة «فوجيان غراند شيب» الصينية، ما دفع
بكين إلى إرسال ورقة احتجاج إلى السفارة الألمانية فيها بسبب موقف برلين الرافض.
واستقبلت الحكومة الصينية الوزير غابرييل بفتور ملحوظ لدى وصوله بعد ذلك بأيام إلى بكين، على رأس وفد اقتصادي كبير في إطار زيارة خُطّط لها مسبقاً.
وعلى رغم انتقاد بعض الاقتصاديين الألمان الوزير الألماني لمنعه توقيع الصفقة، رأى مراقبون أن ليس على الصين أن تغضب لأنها تمنع بدورها مستثمرين ألماناً من شراء ما يرغبون في الصين، من أجل حماية مصالحها.
من هنا «لا يمكن المرء أن يأخذ ولا يعطي» على حد قول مراقبين كثر.
إلى جانب ذلك، يمكن الحديث مطولاً عن أعمال قرصنة دولية من جانب دول كثيرة بينها الصين أيضاً، بهدف سرقة معلومات تتعلق بتركيب منتجات الشركات الألمانية والتطوير فيها، والحصول بالتالي في أحيان كثيرة على أدق المعلومات من دون عناء أو دفع كلفة الباحثين والمطوّرين.
إلى ذلك، أفادت السفارة الألمانية في بكين أخيراً بأنها تسجل منذ سنتين وتحديداً منذ مطلع السنة، زيادة في شكاوى ممثلي الشركات الألمانية من قيام الصينيين بوضع معوقات جديدة أمامهم لمنعهم من دخول سوقهم، ورفع سقف ما هو مطلوب لدخولهم إلى جانب التمييز بينهم وبين رجال الأعمال الصينيين، وصولاً إلى ممارسة الضغوط المختلفة للحصول على تكنولوجيا منتجاتهم كشرط للتعاون معهم في الصين.
من جهة أخرى رفضت دول أوروبية أخيراً خصوصاً إيطاليا واسبانيا، سعي المفوضية الأوروبية إلى إعطاء الصين صفة السوق الحرة، وانتقدت هذه الخطوة في وقت أيدتها ألمانيا، مشيرة إلى أن الصين عضو في منظمة التجارة الدولية منذ 15 سنة، ولا يمكن الامتناع عن ذلك والتسبب في إغضاب الحكومة الصينية من دون حق أو مبرر.
وفي حال إفشال مسعى المفوضية الأوروبية هذا، تخشى برلين من تداعيات سلبية على عمل شركات السيارات الألمانية في الصين، كونها من أهم صادرات ألمانيا إلى هذا البلد.