إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشيعي (٤)

علاقة المجلس الشيعي بالإفتاء الجعفري و المحاكم الجعفرية.

ترتبط مهام و صلاحيات دار الإفتاء الجعفري و القضاء الشرعي الجعفري ارتباطاً وثيقاً بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، كونها مجتمعة تشكل المؤسسات الشيعية الدّينية الرسمية التابعة للسلطات الحكومية في لبنان ..

و كون المجلس الشيعي هو المؤسسة الوحيدة من بين هذه المؤسسات المنتخبة من الشعب، فيحوز على الصفة التمثيلية للطّائفة أمام السلطات الرسمية، و اتجاه أبناء الشيعة، لذا يكون هو صاحب سلطة الوصاية، أو على الأقل هو المسؤول المباشر عن بقية مؤسسات الشيعة الرسمية، بل حتى غير الرسمية في بعض الموارد.

و المؤسف في الأمر أنه بالرغم من مرور قرابة نصف قرن على تأسيس المجلس الشيعي إلا أن العلاقة الرسمية بين هذه الأطر لم تتبلور بعد بالطريقة التي كان ينبغي أن تكون ، فالمفترض أن المجلس الشيعي هو أمّ المؤسسات الدّينية الرسمية للشيعة في لبنان ، و يتفرع عنه :

دار الإفتاء الجعفري و المحاكم الشرعية الجعفرية، و لكن لم تأخذ العلاقة مداها بين هذه المؤسسات، و لم تتموضع كل مؤسسة حيث يفترض، فمثلاً لدى إخواننا السنّة مؤسسة إسمها ( دار الفتوى ) و أخرى إسمها ( المجلس الإسلامي الشرعي ) و ( المحاكم الشرعية ) هي ثالث مؤسسات السنّة الرسمية ، و قد تطوّرت العلاقة بين هذه الأطر، و تكاملت أنظمتها، حتى أنّه تمّ توحيد منصبي رئيس المجلس الشرعي و مفتي الجمهورية – كما أسلفنا كلامنا في المقال السابق – ، حيث إنّ مفتي الجمهورية هو نفسه رئيس المجلس الشرعي..

و العلاقة بين دار الفتوى و المجلس الشرعي و المحاكم السنية قد انتظمت بشكل راق جدا، فمن ناحية تنسيق تام، و من أخرى عدم تضارب بالصلاحيات، و من ناحية ثالثة حصل نمو مؤسساتي طبيعي، و هو ما نفتقره في مؤسساتنا الشيعية..التي ما زالت على حالها من عشرات السنين، و هكذا فقد نمت و تطورت الطوائف اللبنانية الأخرى كذلك ..

دون أن يواكب الشيعة أشقائقهم !!

و اختصارا أضيء على نقطتين في المقام بشكل موجز :

الإفتاء و المجلس :

دار الإفتاء الجعفري أسبق تأسيساً من المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، حيث تأسس الإفتاء الجعفري في مرحلة الإنتداب الفرنسي للبنان، هذا إذا لم نقل أنه جاء بطلب الفرنسيين و ضمن سياستهم، الهادفة لحفظ حقوق الجماعات الدينية التي تكون المجتمع اللبناني، و ذلك فيما عرف آنذاك ب (نظام الملل) .

و أما تأسيس المجلس الشيعي فقد جاء بعد ذاك، و تحديداً في العام ١٩٦٩ م.

و بعد تأسيس المجلس الشيعي فقد أضحى الممثل الرّسمي الأوّل للشيعة في لبنان ، و لكن لتاريخه يتمّ التعاطي و كأنه لا علاقة منظّمة بين المؤسستين، بخلاف ما هو المعمول به لدى أخواننا السنّة، فمثلاً نرى اجتماعات دوريّة للمفتين برئاسة مفتي الجمهورية ( الذي هو رئيس المجلس الشرعي في ذات الوقت ) و لكن لم يحصل و لا مرة مثل ذلك لدى الشيعة .

القضاء و المجلس :

كذلك فإنّ القضاء الشرعي الجعفري أسبق من المجلس الشيعي بما يزيد على أربعين عاما، (تأسست المحاكم عام ١٩٢٦ و أما المجلس الشيعي فتأسس في العام ١٩٦٩ ) ،و بعد تأسيس المجلس الشيعي حصل تضارب ببعض الصلاحيات، لاسيما فيما يمت للأوقاف، حيث كانت تحت سلطة المحاكم الجعفرية، و لكن مع تأسيس المجلس الشيعي فقد أخذ المجلس هذه الصلاحية، ما حدا بالبعض وقتذاك للإتجاه لرفض هذا الأمر، و اللجوء إلى المؤسسات الدستورية و القانونية، إلا أنها حلت الأمور دون تفاقمها..

بل أكثر من ذلك حيث إن للمجلس سلطة على القضاء في بعض الامور ، و كان ينبغي استكمال القوانين التي تنظّم الأمور المشتركة بين الإطارين، على أنّ يبقى المجلس الشيعي سلطة أعلى .
و الأمر الأكثر إلحاحاً في وقتنا الرّاهن هو السّعي لتعديل القوانين ،حتى تصبح الهيئة الشرعية في المجلس الشيعي تنظم و تحدّث أحكام المحاكم الشرعية الجعفرية .

(علما أن هذه الصلاحية ممنوحة لدار الفتوى اتجاه القضاء السني) .

و بالمحصلة، فإنّ تطور مؤسساتنا الدينية الرسمية ينطلق من ثابتة محسومة، و هي إعطاء كل مؤسسة حقها التام، و التنسيق في العمل بين هذه المؤسسات، و تحديد مساحة عمل كل منها … حينها تتكامل هذه المؤسسات و تتطور .

الشيخ محمد علي الحاج العاملي

اخترنا لك