وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، رسالة الميلاد السادسة الى اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا مقيمين ومنتشرين، في حضور المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والرهبان.
الراعي وفي رسالته إعلان إنجيل العائلة، “أسرع الرعاة إلى بيت لحم، فوجدوا مريم ويوسف والطفل يسوع مضجعا في مذود”(لو2: 16)، قال فيها:”حالما أشرق نور مجدالله حول رعاة بيت لحم، في ظلمة الليل، وبشرهم بالفرح، الذي سيعم العالم أجمع، “أن اليوم ولد المخلص، وهو المسيح الرب، المقمط والمضجع في مذود”، أسرع الرعاة ليروا هذه الكلمة، “فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في مذود”. وكان أول إعلان لإنجيل العائلة.
أيقونة العائلة
إنها العائلة المقدسة، أيقونة كل عائلة: هو كلمة الله يتجسد في عائلة بشرية. هيأ لذاته أما عذراء بشخص مريم، ولد منها بقوة الروح القدس واغتذى من حبها وحنانها، فكانت أطهر الخلق أجمع وأقدسه؛ واختار أبا بتولا هو يوسف من الناصرة، تعهد حياته البشرية وتربيته وإعالته، فكان له ولأمه، أمام الشريعة والمجتمع، الأب والزوج الشرعي. إنه حارس الأغليين: يسوع المخلص وفادي الإنسان، ومريم أمه وأم البشرية المفتداة”.
أضاف :”يسعدني والأسرة البطريركية أن أعرب للسادة مطارنة الأبرشيات وقدس الرؤساء العامين والرئيسات العامات، وأبناء وبنات أبرشياتهم ورهبانياتهم، في لبنان والمشرق وبلدان الإنتشار، عن أخلص التهاني بميلاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، وبالسنة الجديدة 2017، راجين لهم جميعا فيض الخير والنعم، ولبلدان مشرقنا التي تعاني من ويلات الحروب والنزاعات، السلام والاستقرار.
صلاة ودعاء
أود في هذه الرسالة الميلادية أن أرفع معكم صلاة الشكر لله على السنة 2016 التي وصلت إلى غروبها، وقد أتاح بنعمته للكتل السياسية والنيابية عندنا أن تتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية بشخص العماد ميشال عون، وعلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة الشيخ سعد الدين الحريري. إننا إذ نهنئهم، نهنىء يضا اللبنانيين مقيمين ومنتشرين، وندعو لهذا العهد الجديد بالنجاح في مواجهة التحديات الكبيرة والمتفاقمة، وفي طليعتها استكمال الوحدة والمصالحة الوطنية على المستوى السياسي، وتسريع صدور قانون انتخابات يضمن التوازن في التمثيل والإتيان بنخب جديدة، ومحاربة الفساد في المؤسسات العامة، والمباشرة في معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية والإجتماعية، رحمة بالمواطنين الذين يتآكلهم الفقر، وبالشبيبة الباحثة عن مستقبلها وترجوه داخل الوطن”.
وتابع : “كل هذه التحديات، بالإضافة إلى غرق المجتمع والبلاد بمليوني نازح ولاجىء ينتزعون لقمة العيش من فم اللبنانيين الذين أصبحوا في ثلثهم تحت مستوى الفقر، ويهددون بالخطر الأمن الداخلي، إنما تصيب العائلةالصغيرة والوطنية.
وكم يؤلمنا أن تأتي ذكرى الميلاد المجيد، ومعظم العائلات عندنا في حالة معاناة إقتصادية ومعيشية ومعنوية، وفي حالة تبدد بسبب هجرة الأولاد والأحفاد عن والديهم والأجداد، وفي حالة تفكك الرباط الزوجي بداعي جفاف الحب والأمانة، واللجوء المفرط إلى الطلاق وإبطال الزواج، وفي حالة الضرر النفسي والعاطفي الذي يصيب الاولاد سواء كانوا قاصرين أم راشدين”.
أضاف : “إننا نحمل في صلاتنا العائلات المنكوبة من جراء الحروب وممارسات العنف والإرهاب في مشرقنا وبلدان أخرى، وكان آخرها في القاهرة والكرك وبرلين.
ونعلن قربنا من كل الذين فقدوا دفء العائلة بسبب حاجاتهم المادية وقساوة الدهر عليهم وفقدانهم مشاعر الحب والحنان.
ونعرب عن شكرنا للمؤسسات والهيئات التي تعنى بالتعويض عن هذا الدفء المفقود.
ولكن علينا أن نضاعف جهودنا في توجيه عملنا الراعوي، ومؤسساتنا التربوية والإستشفائية والإجتماعية، إلى حماية العائلة وتعزيزها ومساعدتها.
فإن “خيرها مصيري بالنسبة إلى مستقبل العالم والكنيسة عامة، كما وإلى مجتمعنا ووطننا.
فالعائلة هي الخلية الحية للمجتمع، والمدرسة الطبيعية الأولى المربية على القيم العاطفية والأخلاقية والإجتماعية، والكنيسة المنزلية ناقلة الإيمان ومعلمة الصلاة.
إن الإرشاد الرسولي “فرح الحب”، الذي أصدره قداسة البابا فرنسيس بتاريخ 19 اذار 2016، في أعقاب جمعية سينودس الأساقفة الخاصة بالعائلة، هو لنا خير دليل في عملنا الراعوي والتربوي والاجتماعي المشترك”.
في خدمة العائلة
بميلاده في عائلة بشرية، أعاد ابن الله الزواج والعائلة إلى حالتهما الأصلية، على صورة الثالوث الأقدس الذي منه ينبع كل حب حقيقي، طاهر ومعطاء.
وأعلن للعالم إنجيل العائلة الذي تحمل الكنيسة بشراه في أعمالها ونشاطاتها ومؤسساتها. لهذا إنجيل العائلة دعانا المسيح في الحياة المكرسة والكهنوت، ونذرنا نفوسنا، فباتت الأبرشيات والرهبانيات بهيكلياتها ومؤسساتها علامة رجاء لكل عائلة، تحمل صدى البشرى الأولى التي اجتذبت رعاة بيت لحم إلى المذود حيث وجدوا دفء العائلة الجديدة: مريم ويوسف والطفل، وامتلأوا فرحا، وعادوا يسبحون الله ويهللون.
فلتكن مطرانياتنا ورعايانا وأديارنا ومؤسساتنا “المذود الجديد”، حيث تجد العائلة ذاتها وفرحها، وترى تجليات حب الله.
يذكرنا قداسة البابا فرنسيس قول بولس الرسول “أن الزواج والعائلة هبة من الله” (راجع 1كور7: 7)، تجب العناية بها والمحافظة عليها.
ويعطينا مثال المسيح كنموذج لنا: فقد بدأ حياته العلنية في عرس قانا حيث أبهج العروسين والحاضرين بآية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة (يو2: 1-16)، وشارك لحظات صداقة مع لعازر وأختيه (لو10: 38)، وشفاء مع عائلة بطرس(متى 8: 14)، وسمع بكاء أهل على أولادهم فشفاهم وعزاهم وأعاد إليهم الحياة (مر5: 41؛ لو7: 14-15)، وأشبع آلاف الجماهير من خمسة أرغفة وسمكتين (يو6: 1-16)، وهدى المرأة السامرية بنور الحقيقة (يو4: 1-30)، وغمر برحمته الغافرة المرأة الزانية (يو8: 1-11). وهكذا أثار تجسد الكلمة الإلهي في عائلة بشرية وجدان تاريخ العالم بأسره (فرح الحب، 63-65).
إنجيل العائلة لا يقتصر بشراه على عائلتنا الشخصية، بل يشمل كل عائلة بشرية، أيا كان دينها ولونها وعرقها وثقافتها. الكنيسة، بحكم أمومتها، تشمل كل العائلات.
مناشدة ومطالب
وإننا معكم نناشد الدولة،التي هي بمثابة أم لجميع المواطنين، أن تحمل هم كل عائلة لبنانية، وتعيد للعمل السياسي أصالته، فيلتزم توفير الخير العام، الذي منه خير كل واحد وخير الجميع، في التشريع والإجراء، في الإدارة والإنماء، في الاقتصاد بكل قطاعاته، في المعيشة والتربية وفرص العمل.
ونطالب الدولة مساعدة عائلاتنا اللبنانية في مواجهة حاجاتها لتأمين العلم والاستشفاء والعناية لأفرادها.
ونطالبها الإيفاء بمتوجباتها المالية تجاه مؤسسات الكنيسة ومثيلاتها التي تعنى بخدمة
العائلة من مستشفيات ومدارس مجانية ومراكز لمسنين ويتامى ومعوقين وذوي احتياجات خاصة.
فالدولة هي المسؤولة أصلا عن إقامة مثل هذه المؤسسات، لقاء ما يؤدي لها المواطنون من ضرائب ورسومات متوجبة.
ونناشد معكم الأسرتين الدولية والعربية، وضع حد للارهاب والتطرف، وللحروب والنزاعات الجارية في بلدان الشرق الأوسط، التي تفتك بالعائلة قتلا وتهجيرا وشرذمة وإفقارا، والتي تشرد عائلاتنا المشرقية على دروب العالم، فتقف بأفرادها كباراً وصغاراً، مسنين وأطفالاً، على بوابات حدود الدول مخذولين ومحرومين من حقوقهم الأساسية وكراماتهم.
ونطالب منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن العمل الجدي على إيجاد حلول سياسية تهدف إلى إحلال سلام عادل وشامل ودائم، وإلى إعادة جميع اللاجئين والنازحين والمخطوفين إلى أوطانهم وممتلكاتهم وحماية حقوقهم وكرامتهم كمواطنين.
إذا تم كل ذلك، يحق لنا وللعالم أن يبتهج بعيد ميلاد المسيح فادي العائلة، وبعيد رأس السنة الجديدة 2017 التي نرجوها سنة سلام واستقرار لكل عائلة وللجميع، فنهتف:
ولد المسيح! هللويا!”
رعيدي
وكان الرئيس العام للرهبانية الانطونية الاباتي داود رعيدي ألقى كلمة باسم الرؤساء العامين والرئيسات العامات قال فيها:” في زمن الانوار نجتمع كلنا عائلة واحدة، ونتحلق حول غبطة البطريرك مار بشارة بطرس، ومن خلاله حول االبطاركة والأساقفة رؤساء كنائسنا المشرقية، وآبائنا الروحيين.
في هذا الزمن المميز الذي اشرق فيه الرب على البشرية فأنارها بوهجه الإلهي، نرفع عيوننا إلى فوق، إلى حيث يأتي خلاصنا.
فالخلاص ينبع من الأعالي فيفيض النور على الاسافل!
والمسيح نفسه لم يعد مساواته لله غنيمة فتواضع ولبس جسدنا. وعلى مثاله، لا يمكننا ان نتجسد في اعمال رحمة ومحبة إذا لم نكن على هذا المستوى، فمن يقدر على الكثير قادر على الدون، وهي دعوة لنا لأن نرتقي في هذا الزمن، وفي كل يوم،إلى الأعالي السماوية، لنتمكن من تجسيد محبتنا للرب وللكنيسة.
وحتى على مستوى الفكر الفلسفي فإن الكل ينتج عنه الجزء، أما مجموع الاجزاء فلا ينتج عنه الكل، وفي كل المشاريع والانجازات الروحية والمادية والانسانية، يجب ان نقر أنه من الخيار الاكبر تتأتى المسائل الصغيرة، ولو لم يكن ثمة خيار لما نتجت تفاصيل وأجزاء صغرى.
على هذا المستوى، الكنيسة هي صاحبة رؤية شاملة تحمل الخلاص الشامل للبشرية وليست منفذة مشاريع صغيرة تقيت وتحيي عددا من الأشخاص محدوداً، إنها تفتح أفق الخلاص، وتبني منهجية العائلة المسيحية الجديدة المنتسبة إلى الألوهة بالتبني وبعطية مجانية من الله، فيقوم كل فرد بتجسيد الروح ليعم الخير البشرية جمعاء.
فلا يمكن للكنيسة السلطة ان تضيع بالتفاصيل، لتجيب على حاجات مادية بسيطة ومباشرة، بل أن رسالتها تتمحور على حث المؤمنين على الارتقاء إلى فهم التجسد، ليعمل المؤمنون على اقتسام النعم الإلهية معا، واعتقد أنها تقوم من جهتها بواجبها البشري إلى جانب حملها للبشارة، وإن هذه الجمعيات الرهبانية النسائية والرجالية، الحاضرة اليوم أمامكم، يا صاحب الغبطة، بما تدير من مؤسسات، هي افضل دليل على هذا الالتزام، دون أن يختزلوا اسهامات كل مؤمن وتجسيداته اليومية.
فالرهبانيات هي عنصر مسهم، ولكنه لا ينفي الاسهامات الاخرى بل يحفزها من أجل أن يعم الخير جميع البشر.
ويسرنا، غبطة أبينا، وقد ذكَّرتم دونما كلل على ضرورة وجود رئيس في الدولة، أن نعبر في هذا العيد، رمز التحول البشري في علاقتنا مع الإله، عن فرحنا العارم بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للبلاد، وهو ما يعطي المواطنين الثقة للمضي قدما في بناء وطن الانفتاح، وليس اقل وقعا علينا تأليف الحكومة من قبل الشيخ سعد الحريري لنعيد اطلاق المؤسسات والخدمات العامة التي صرنا بأمس الحاجة لها. فإذا كانت الاحداث البشرية تخلق متنفسا وفرصة لحياة أفضل، كم هو أسمى ذلك الأمل الذي نعيشه في ذكرى تجسد الاله على ارضنا، لكأن مسحة سماوية صارت تظللنا، ونعبر عنها بزينة وأضواء، تعكس إضاءات الله في عتمة مسيرة الكون لتفتح افقه على رجاء المجد الابدي.
فإليكم يا صاحب الغبطة، نرفع التهاني بالعيد السعيد، عيد تجمع العائلة البشرية حول الوجه الإلهي المضيء.
اليكم نقدم محبتنا واحترامنا وخضوعنا لأنكم تمثلون العلامة المنظورة للكنيسة الأم والمعلمة، ومعكم ومن خلالكم نوجه التحية الميلادية للبطاركة والمطارنة الكاثوليك في الشرق، ولكل الكهنة والمكرسين على مساحة الكنيسة، ولكل المعترفين المشرقيين الذين يحملون في اجسادهم علامات انتمائهم للمسيح، ولكل مؤمن معذب في هذاالشرق، ينتظر خلاص الرب ويلتمس وجهه في عتمة التطرف البشري وانحداره الى الأسافل.
اليهم جميعا نقدم التهاني القلبية ونقول لهم بأن المكرسين والمكرسات الذين يعملون معهم وبقربهم، والحاضرين اليوم في صرح بكركي الذي يشكل النجم الهادي إلى طفل المغارة، نقول لهم: أنكم علامات المسيح الحي في هذا الشرق، وفيكم يتجسد المسيح اليوم خلاصا للبشرية من محنتها الوجودية، وبكم يرفع وجهه إلى الأعالي ليرتقي صوب الألوهة الآتية لترفعنا.ولد المسيح… هللويا!
استقبالات
بعد رسالة الميلاد، استقبل الراعي بحضور الكاردينال صفير المهنئين بالاعياد المجيدة. فالتقى الرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والرهبان من مختلف الطوائف الكاثوليكية.
ومن المهنئين على التوالي: راعي ابرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر وكهنة الابرشية، أمين عام المدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار على رأس وفد من الامانة العامة، عضو المؤسسة المارونية للانتشار سركيس سركيس، راعي ابرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله وكهنة الابرشية، راعي ابرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون وكهنة الابرشية، قنصل بريطانيا الفخري رئيس جامعة آل ابو جودة وليم زرد ابو جودة، رئيس جامعة سيدة اللويزة على رأس وفد من الجامعة، النائب البطريركي على أبرشية جونيه المطران انطوان نبيل العنداري والكهنة، النائب البطريركي على الجبة – بشري المطران مارون العمار والكهنة، راعي ابرشية زحلة المارونية المطران جوزيف معوض وكهنة الابرشية، راعي ابرشية انطلياس المارونية المطران كميل زيدان وكهنة الابرشية، النائب العام على ابرشية صيدا المارونية المونسينيور مارون كيوان وكهنة الابرشية، وفد من كاريتاس لبنان، فاعليات دينية وسياسية واقتصادية ونقابية.
وظهرا، استقبل الراعي بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان في زيارة للتهنئة بالاعياد.